جمال بن ماجد الكندي
معركة طوفان الأقصى تعدت حاجز 160 يومًا، وتعتبر هذه المدة هي أطول مدة زمنية يخوض فيها العدو الصهيوني حروبه مع العرب منذ نكبة 1948، وزرع هذا الكيان المسخ في الجغرافيا العربية بعد أن كان شتاتًا مُبعثرًا في العالم.
معركة طوفان الأقصى رسمت استراتيجية جديدة في المنطقة نسميها "وحدة الساحات" ضد العدو الصهيوني. هذه الاستراتيجية الجديدة التي تفاجأ بها العدو الإسرائيلي، كانت بالمعنى الميداني فتح جبهات مساندة للمقاومة الفلسطينية في لبنان واليمن والعراق وسوريا ضد الجيش الإسرائيلي، وهذه الجبهات كانت نائمة أو خامدة، ومعركة طوفان الأقصى أشعلتها، لتُثبِت أن استراتيجية وحدة الساحات التي تتبناها قوى المقاومة والممانعة في المنطقة ليست كلامًا نظريًا فقط؛ بل هي واقع ملموس في الميدان، تكتوي بنارها اليوم إسرائيل وأمريكا وبريطانيا، ولم ولن تنفع الآلة العسكرية للجيش الصهيوني والأمريكي والبريطاني في إسكات هذه الجبهات لسبب بسيط وهو أن مفتاح وقف التصعيد فيها يأتي من غزة فقط، وذلك بقبول الكيان الصهيوني وقف إطلاق النَّار بشروط المقاومة.
هنا تكمن المشكلة في قبول إسرائيل بوقف دائم لإطلاق النار بشروط المقاومة، والوسطاء القطريون والمصريون يحاولون تحقيق هذا الأمر بحدوده الدنيا التي ترضي الطرفين، ولكن المقاومة الفلسطينية لا تستطيع أن تُضحّي بمُنجز السابع من أكتوبر الاستراتيجي، والتضحيات الكبيرة التي حصلت بعد معركة طوفان الأقصى من دماء ودمار في غزة، إلّا بالحصول على ما تشترط عليه حماس لوقف إطلاق النار، من كسر الحصار، وتحرير الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية، لأن معركة طوفان الأقصى انطلقت من أجل هذا السبب.
وفي المقابل قبول إسرائيل وقف إطلاق النار بشروط حماس يعني هزيمتين لهذا الكيان؛ الهزيمة الأولى تمت في معركة السابع من أكتوبر، والهزيمة الثانية في عدم تحقيق أهداف الحرب المعلنة في معركة غزة وهي القضاء على حماس، وتحرير الأسرى الإسرائيليين، وهذه المشكلة يحاول الوسطاء العرب إيجاد حلول دنيا لها تناسب الطرفين.
المقاومة الفلسطينية مُتمسكة بورقة الأسرى حسب رؤيتها في التعامل مع هذه الورقة، فهي تعلم أنها الورقة الضاغطة على الحكومة الإسرائيلية، والتي تُشعل الشارع الإسرائيلي، ولا تريد تفريغ هذه الورقة من دون الحصول على ضمانات دولية بوقف نهائي لإطلاق النار، وانسحاب الجيش الإسرائيلي من غزة ودخول المساعدات وإعمار ما تم تدميره، وعدم التدخل في مسألة اليوم الثاني لما بعد وقف إطلاق النار؛ فهو شأن فلسطيني يعالجه الفلسطينيون فقط لا غير.
هذه المعطيات هي التي تؤخّر توقيع اتفاقية الهدنة مع المقاومة الفلسطينية في غزة، كما إن الجبهات المساندة في لبنان واليمن والعراق تمثل هي الأخرى ورقة ضغط على الكيان الصهيوني وأمريكا، فكلما طال أمد هذه الجبهات، كان تأثيرها اقتصاديًا وعسكريًا كبيرًا على إسرائيل، خاصة جبهة لبنان، والحديث اليوم في الأوساط الصهيونية بالعمل على توسيع جبهة لبنان يأتي من باب التهديد والضغط على المقاومة اللبنانية لوقف عملياتها في شمال فلسطين المحتلة.
وهنا نطرح سؤالًا: هل جيش الاحتلال الإسرائيلي العالق في غزة يستطيع فتح جبهة أخرى ويعلم بأنها تختلف اختلافًا كليًا عن جبهة غزة من ناحية الجغرافيا المفتوحة والقوة العددية والصاروخية للمقاومة اللبنانية؟ لذلك كانت هذه الجبهات المفتوحة قوة مساندة وفاعلة للمقاومة الفلسطينية في غزة.
الجبهة اللبنانية واليمنية والعراقية، جبهات مساندة للمقاومة الفلسطينية في غزة، وضرباتها باتت مؤلمة جدًا، خاصة الجبهة اللبنانية؛ فهذه الجبهة أبعدت الصهاينة في الجليل الأعلى (مُغتصَبة "كريات شمونة") إلى الداخل الفلسطيني المحتل، وهذا الأمر مؤثر على العدو الإسرائيلي اقتصاديًا.
إنَّ هذه الجبهات مُستمرة حسب تصريحات قادتها العسكريين والسياسيين، ما دام العدو الصهيوني مستمرًا في جرائمه في غزة، ومفتاح تهدئة هذه الجبهات موجود في غزة، وهذا الأمر يُدركه الأمريكيون والإسرائيليون جيدًا، وما نُقل للمبعوث الأمريكي آموس هوكستين لتهدئة الصراع في الجبهة اللبنانية، كان واضحًا "التهدئة تبدأ من غزة" وبشروط المقاومة الفلسطينية؛ فهي معادلة رسمتها جبهات المساندة للمقاومة الفلسطينية مفادها مفتاح تهدئة الجبهات المساندة يأتي من غزة فقط.