"طوفان الأقصى" واستراتيجية "تجفيف المقاومة"

 

 

فصائل المقاومة ومحورها على يقينٍ تامٍ بما يُخطط ويُحاك وتواجه كل ذلك بمخططات مُضادة، وبحسابات دقيقة للغاية دون ضجيج

 

 

علي بن مسعود المعشني

ali95312606@gmail.com

لا شك أنَّ طوفان الأقصى تخطى جميع الحسابات والأرقام والأهداف والنتائج والمواجهات بيننا وبين العدو الصهيوني، منذ احتلال فلسطين عام 1948، ولغاية اليوم... لهذا لا بُد لنا أن نضع جميع خياراتنا واستنتاجاتنا جانبًا، ونفكِّر بعقلية الطوفان وتداعياته وارتداداته على المنطقة والعالم، وقبل كل ذلك على المقاومة وفصائلها وثقافتها الصاعدة في الوطن العربي والعالم.

يُمكن للمتابع أن يلحظ عددًا من النتائج والمستجدات على الأرض اليوم، والتي كانت من المُحرّمات لدى الكيان وتُشكل نقاط ضعف تاريخية له، لكي نقرر بعد ذلك استنتاج الجديد من الطوفان ويومياته.

الشاهد الأول، جميعنا يعلم أن الكيان الصهيوني بُنيت عقيدته العسكرية على خوض حروب خاطفة وسريعة مع العرب؛ أي أن الكيان لا يتحمل حروبًا طويلة، وهذا ما رأيناه في حروب الاستنزاف مع الجيش المصري (1968- 1970)، وفي حرب لبنان عام 1982 مع الفصائل الوطنية اللبنانية والفلسطينية، وفي حرب يوليو 2006 مع حزب الله. وإلى هذه اللحظة، تخطت المواجهات في يوميات طوفان الأقصى الـ157 يومًا دون انقطاع، في سجال مُسلح بين الكيان وفصائل المقاومة بغزة ولبنان والعراق واليمن. وهذا زمن قياسي في حروب الكيان لا بُد لنا من التوقف عنده، وألّا نعتقد بأن الأمر ينحصر في بحث الكيان عن صناعة نصر يتكئ عليه ويواجه به الداخل والخارج، ويُرمم من خلاله كيانه المهترئ ومكانته وصورته في العالم كذلك.

الشاهد الثاني على تحولات الكيان ورعاته في مواجهات الطوفان، هو "إهمال" أعداد القتلى والجرحى في صفوف جيشه، وتقبُّل ذلك وكأنّه تسليم واستسلام للأمر الواقع، بينما يعلم أكثرنا بأنَّ جثمان الطيار رون أراد والذي أسقطت طائرته بلبنان عام 1982، بقي حاضرًا في جميع مفاوضات الأسرى بين العدو والفصائل اللبنانية لعقود، إلى تحقق ذلك وتسلموا ما تبقى من رُفاته.

الشاهد الثالث على تحوُّلات نتائج الطوفان، هو تجاهل الكيان ورعاته لضغط الواقع والشارع لتبادل الأسرى (العسكريين والمدنيين) وعودتهم إلى أسرهم؛ بل والسعي لقتلهم كلما سنحت لهم الفرصة للقيام بذلك.

فواجع الكيان الصهيوني ورعاته بالطوفان على الصُعد العسكرية في الميدان وعبر الصواريخ والمُسيَّرات من خارج جغرافية فلسطين المحتلة، وهزيمة عقله التقني والاستخباراتي في غلاف غزة في السابع من أكتوبر، ثم هزيمته القضائية في محكمة العدل الدولية وثبوت تهمة الإبادة الجماعية عليه، والخسائر الاقتصادية الجسيمة بداخله، نتيجة التوقف شبه التام للحياة والنزوح والهجرة العكسية إلى خارج الكيان، والدعم الكبير للعملة والمجهود الحربي، وفشل مساعيهم في الانفراد بحلول منفردة مُغرية جدًا ماديًا مع فصائل المقاومة بغزة ولبنان والعراق واليمن لتحييد أي منها في هذه المرحلة بالتحديد. كل تلك عوامل تجعلنا نُفكِّر ونتدبَّر بعُمق سبب تعنُّت الكيان ورعاته في مواصلة أمد الحرب، ويجعلنا نتساءل على ماذا يُراهنون؟!

لا شك أنهم يُراهنون على مُخطط اجتثاث فصائل المقاومة أو الظفر بسلاحها عبر هذا القتل اليومي المُنظَّم، والدمار المُمنهج، والتجويع ونشر الأمراض، فهم يعتقدون بأن الوضع مثاليٌ لهم عبر هذه المنظومة اللا أخلاقية، لتطويع غزة وتركيع فصائلها للقبول بتسليم السلاح والتحول إلى فصيل سياسي منزوع السلاح، وكما حدث لمنظمة التحرير الفلسطينية بعد حصار بيروت.

هُم يعتقدون أنَّ وضع غزة مثالي لتحييدها مستقبلًا من أية نشاط مُسلَّح، وبالتالي انكشاف جبهة "حزب الله" في لبنان ومواجهته في حرب شاملة بالتعاون مع الطابور الخامس بلبنان، وأدوات أمريكا في المنطقة؛ فالقضاء على حزب الله في مُخططهم يُمثل كسرًا حقيقيًا لفصائل المقاومة في جغرافيات أخرى؛ كونه الحاضن والقدوة والداعم السخي لها بالمشورة والخبرات والعدة والعتاد.

إعلان فصائل المقاومة بغزة مؤخرًا أنها مستعدة لمواصلة الحرب إلى رمضان العام المقبل- أي لمدة عام آخر- بنفس القوة والجهوزية مع زيادة في تنوع التكتيكات والسلاح، ودخول أسلحة نوعية للمعركة من لبنان واليمن والعراق، والتصريح بوجود المزيد، والضغط الأمريكي والغربي على الكيان بضرورة قبول هُدنة مؤقتة لستة أسابيع، وتهديد بعض الدول الأوروبية بمقاطعة الكيان بسبب سمعته وجرائمه وإضراره الكبير بسمعتها ومصالحها حول العالم... جميعها أوراق سياسية تقوِّي من موقف فصائل المقاومة، وتعزز من نظرية الردع والوجع المتبادل للكيان والفصائل معًا.

كما إن فصائل المقاومة ليست وحدها في هذه المواجهة، وإن بدت كذلك على الساحة العسكرية؛ فهناك العديد من الدول الإقليمية وحول العالم من لها مصلحة مباشرة في كسر الكيان ورعاته ومخططهم، وبالتالي تسعى بالخفاء إلى تقديم كل الدعم المادي والاستخباراتي والعسكري لفصائل المقاومة في جغرافياتها المختلفة.

فصائل المقاومة ومحورها على يقينٍ تامٍ بما يُخطط ويُحاك، وتواجه كل ذلك بمخططات مُضادة، وبحسابات دقيقة للغاية دون ضجيج، وإن بدت الصورة على السطح قاتمة وفي صالح العدو ورعاته، وهو ما يسعى إلى تكريسه والترويج له؛ فالصراع اليوم انتقل إلى السطح، وسيستنزف العدو تدريجيًا حتى زواله، فهو من اختار ذلك، وقرر المسير في طريق المواجهة المفتوحة مع فصائل المقاومة.

قبل اللقاء.. الأنهار العظيمة تجري بصمتٍ.

وبالشكر تدوم النعم.