حاتم الطائي
◄ الإعلام الغربي يمارس "ازدواجية معايير" في التعامل مع القضية الفلسطينية
◄ المقاومة الفلسطينية تتعرض لعمليات اغتيال معنوي بسلاح الإعلام المُنحاز لإسرائيل
◄ الإدارة الأمريكية تُمارس دور الخصم والقاضي في العدوان على غزة
أسهمت الحرب في غزة- رغم مآسيها المُفجِعة- في إعادة ترميم الوعي الجمعي الدولي والإنساني تجاه ما يجري من جرائم إبادة وجرائم حرب منذ أكثر من 75 عامًا، وتسببت في تسليط أضواء كاشفة على الإرهاب الذي تمارسه دولة الاحتلال الإسرائيلي بحق الشعب الفلسطيني الأعزل، وذلك على الرغم من حملات التضليل الإعلامي المُستعرة، والتي انطلقت منذ اللحظة الأولى في أعقاب معركة السابع من أكتوبر المجيدة، والتي استهدفت في الأساس تشويه المقاومة الفلسطينية والحيلولة دون أي تعاطف أو تضامن دولي مع القضية الفلسطينية.
وفي هذا السياق ينبغي أن يعي الجميع حجم "ازدواجية المعايير" التي تبنّاها الإعلام الغربي، فضلًا عن المسؤولين والأنظمة الغربية الداعمة للاحتلال الإسرائيلي. وعندما نشير إلى مصطلح "ازدواجية المعايير" فإنَّ المقصود هنا ليس فقط اتباع سياسة الكيل بمكيالين، وإنَّما أيضًا تعمُّد تشويه الحقائق وتزييف الوعي عبر خلق مجموعة من الأكاذيب وكتل من الافتراءات. فعندما يتحدث الإعلام الغربي عن حركات المقاومة الفلسطينية- وتحديدًا حركة المقاومة الإسلامية "حماس" وجناحها المُسلّح "كتائب الشهيد عز الدين القسّام"- بأوصاف غير مهنية؛ بل وعدائية، فنحن نتحدث عن مؤسسات إعلامية وصحفيين عديمي الأمانة المهنية، وفاقدين للمصداقية.. فما يعني أن تصف وسائل إعلام غربية وتحديدًا أمريكية، المقاومة بأنها حركة إرهابية؟ وماذا تعني إتاحة المجال أمام المُحللين الغربيين الموالين للكيان الإسرائيلي المُحتل، وغياب شبه تام للمُحللين والمُعلقين المؤيدين للحق في المُقاومة؟
هذا كيلٌ بمكيالين مع سبق الإصرار، وتبييت نيّة لتنفيذ عمليات اغتيال معنوي للمقاومة الفلسطينية التي تناضل من أجل انتزاع حقها الأصيل والتاريخي في نيل الحرية وإنشاء دولة فلسطين المُستقلة. لكنَّ الأهم من ذلك أنَّ هذا الإعلام الغربي غير المهني والمُضلِّل، يستهدف في الأساس تغييب الوعي الغربي، خاصة الحُر منه، والباحث عن الحقيقة، والساعي لمناصرة القضية الفلسطينية، وقد شاهدنا مئات الآلاف من المتظاهرين في العواصم الغربية، وحتى في واشنطن حيث يزوِّد الرئيس جو بايدن دولة الاحتلال بكل الأسلحة الفتّاكة لقتل وإبادة الشعب الفلسطيني في قطاع غزة.
الإعلام الغربي المُضلِّل يستهدف بناء وعي جمعي زائف تجاه الحق الفلسطيني، وتصوير الأمر على أنَّه صراع بين ما يصفونه بأنَّه "جيش الدفاع" وما يعتبرونه "الحركات الإرهابية"، وليس إبراز الحقيقة الدامغة والموثقة بالقرارات الدولية، وهي أنَّ المقاومة الفلسطينية حركة تحرر وطني ونضال مشروع ضد قوة احتلال مُغتصبة للأرض وقاتلة للبشر ومُدمرة لكل شيء في كامل الأراضي الفلسطينية.. وإذا عدنا بالتاريخ إلى الوراء، فإنَّ هذا الكيان الغاصب تشكَّل من خلال أعمال إجرامية نفذتها عصابات صهيونية مُجرمة، طردت الشعب الفلسطيني من أرضه وهجّرته في نكبة 1948.
وفي المُقابل، الحقيقة التي لا يجب إغفالها والتي يتعين علينا نحن كعرب ومسلمين وكل مُناصر للقضية الفلسطينية، أن نؤكد أن إسرائيل هي كيان إرهابي مُجرم، يُنفِّذ منذ أكثر من 75 سنة أعمال إبادة جماعية بحق الشعب الفلسطيني، ويرتكب جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب.
هنا يأتي دور مهم وضروري ومطلوب من كل وسائل الإعلام المؤمنة بالقضية الفلسطينية، وهي العمل على نشر الوعي بالحق الفلسطيني، من خلال فضح جرائم الاحتلال وتسليط الضوء على المآسي الإنسانية التي يعيشها الشعب الفلسطيني تحت وطأة الاحتلال، وما يتجرعه من آلام ليل نهار.
ولذلك يتعين على كل صحفي ووسيلة إعلامية أن ينقل الصورة الحقيقية كما هي، نحن لا نُريد من الإعلام أن يقوم بأي شيء سوى نقل الحقيقة بكل تجرُّد، لأنَّ الواقع مؤلم للغاية، يكفي أن تفتح الكاميرا وتلتقط مشاهد الدمار والإبادة لكي تعلم حقيقة الوضع، ليس مطلوبا من الإعلام الحُر سوى أن ينشر جثث الشهداء وحجم الدمار في كل شبر من القطاع، لمعرفة من الإرهابي ومن الضحية!
وفي هذا السياق، ينبغي أن نوضح حقيقة الموقف الأمريكي من هذه الحرب؛ حيث إن الإدارة الأمريكية لم تتوانَ عن تقديم الدعم العسكري والسياسي للاحتلال الإسرائيلي كي يُنفِّذ كل جرائمه بحق الشعب الفلسطيني الأعزل، ومن سخرية الأحداث، أن نجد واشنطن في الوقت الذي تُقر فيه مساعدات عسكرية واقتصادية بمليارات الدولارات لصالح دولة الاحتلال، لمواصلة حربها المُجرمة على قطاع غزة، فإنها تقذف بالمساعدات جوًا على رؤوس الشعب الفلسطيني، فأيُ نفاقٍ هذا الذي تمارسه الإدارة الأمريكية؟ وأي ازدواجية ينتهجها البيت الأبيض في التعامل مع الوضع في غزة؟
نحن لأول مرة في التاريخ نشهد إدارة أمريكية تزوّد المُعتدي بالسلاح ثم تُلقي بفُتات المساعدات للضحايا، وكأنهم يريدون معاقبة الشعب الفلسطيني على صموده الأسطوري في وجه آلة القتل والدمار والإبادة.
لقد أسهم "طوفان الأقصى" وبسالة المقاومة الفلسطينية الأمينة على مستقبل استرداد الأرض المحتلة، في إيقاظ الضمير العالمي تجاه أكبر قضية تعرضت لظلم تاريخي. استفاق الناس في أنحاء العالم على صور المذابح الدموية التي يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي، وأدركت الشعوب الحرة أنَّ هذه القوات الإجرامية ليست سوى صورة أخرى من النازية والعنصرية، فقد تعرّت دولة الاحتلال أمام العالم أجمع، حتى وإن استمرت في تلقي الدعم والتغطية على جرائمها من الغرب المتواطئ.
ورغم المآسي والآهات المكتومة في صدورنا، إلّا أننا ما زلنا مُتمسكين بالأمل في مستقبل أكثر ازدهارًا لشعبنا الفلسطيني، ما زلنا مؤمنين أن النصر آتٍ لا محالة، وأن ساعة زوال الاحتلال قد قاربت وأوشكت، لأننا لن نيأس من روح الله، وسنظل متطلعين لإعلاء راية النصر الكبرى، بإقامة الدولة الفلسطينية المُستقلة ذات السيادة على أراضيها، المستفيدة من مواردها التي حباها الله بها، دون احتلال وبلا وصاية من طرف عليها.
ويبقى القول.. إنَّ مواصلة دعم القضية الفلسطينية يجب ألا تتوقف، مهما طال أمد الحرب والعدوان، على الجميع أن يستمر في نشر فضائح الاحتلال وجرائمه ضد الإنسانية، وتقديم كل أوجه الدعم والمُساندة للشعب الفلسطيني، وفوق كل ذلك الدعاء إلى المولى عزَّ وجلَّ بأن ينصرهم على العدو الجبان، بالتوازي مع التحلي بالصبر والجلد وعدم الشعور باليأس، لأنَّ هذا ما يُريده العدو منَّا، لكننا لن نجزع ولن نتراجع ولن نتهاون في الحق الفلسطيني.