ناصر بن سلطان العموري
إجادة بين التجويد والعدالة
وجدت منظومة إجادة في نظر القائمين عليها من أجل تجويد العمل ودفع الموظف لتقديم الأفضل، لن نتكلم عن تعريفها وتاريخ تطبيقها وأهدافها؛ فهذا معروف، وقد أسهب الإخوة الكُتّاب في التطرق إليه عبر المقالات في الصحف والمنتديات، لكن ما أودُ إضافته هنا هو ما لمسناه عن قرب خصوصًا- نحن موظفي الجهات الحكومية- مع إدخال الأداء الفعلي منذ مدة ليست بالقصيرة، وتعشم الكثير من الموظفين في الحصول على معدل امتياز بعد الأهداف التي تم إدخلها.
لا يهم إن كانت واقعًا أو غير ذلك؛ فهذا يرجع لضمير الموظف وأمانته الوظيفية، ويأتي بعدها المسؤول الذي من المفترض أن يكون هو من يُقيِّم دون تحيُّز أو عاطفة أو مصلحة شخصية، كل هذا في جانب، وإجبار المسؤول على تنزيل تقدير بعض الموظفين الحاصلين على جيد جدًا إلى جيد في جانب آخر، والسبب الظاهر أن عدد الحاصلين على تقدير "جيد جدًا" تجاوز النسبة المُحدَّدة، وهذا ما أوجدَ ازدواجيةً لدى المسؤول. فماذا إن تساوى أكثر من العدد المحدد في التقدير؟ وعلى ماذا سوف يستند للحكم بينهم عندئذٍ؟! لا شك أن ذلك يتناقض مع مبدأ التحفيز والتنافس لخلق بيئة عمل جذابة ومنتجة؛ فالمعايير التي حُدِّدَت كانت فقط لاختيار صاحب معدل الامتياز، وتُرِك للمسؤول تنزيل التقدير لكي يواجه الواقع بنفسه بناءً على عدة اعتبارات، فهل سوف يستند إلى المنطق أم العاطفة أم اعتبارات أخرى لا داعي لذكرها!! هذا غير نسبة اختيار المجيدين الضئيلة والمحددة بـ10%، والتي أراها لا تُساعِد على التنافس بين الموظفين وتقديم الأفضل مطلقًا. والسؤال هنا: لماذا حُدِّدَت للجهات الحكومية نسبةٌ معينة للحاصلين على تقدير "جيد جدًا" ولم يُفتَح الباب لإعطاء الحافز لأكبر عدد من الموظفين؟ وهذا يتعارض مع ما تهدف له منظومة "إجادة" من تحسين وتطوير بيئة العمل!
وماذا عن ترقية الموظف بعد أن كانت تُحسب بالسنين سابقًا تزيد عجافًا وتنقص حظًا؟ فهل سوف تُحسب وفق منظومة إجادة الوليدة والقابلة للتطور؟ أرى أن إجادة منظومة جيدة في مضمونها وشرحها، لكن شحيحة في اختيارها ومُجحفة في شروطها. لذلك أدعو القائمين عليها لمراجعتها؛ لكي تكون محفزًا حقيقيًا للموظفين برداء الإجادة، لا أن تكون مجرد محطة لتعبئة الأهداف والأداء الفعلي، ومن ثم ربما يكون هناك دور لاحتمالية أن يتملق الموظفُ المسؤولَ، والذي عسى أن يكون ضميره حيًا للحكم بنزاهة وواقعية لى استمارة الموظف.
مطبات في "واحة الثقافة"
لا نُقلِّل أبدًا من جهود القائمين على معرض مسقط الدولي للكتاب، والذي اختُتِمَت فعالياته مطلع الأسبوع الجاري، ولا نحمل على دور النشر المميزة والمتنوعة، ولا نلقي باللوم على مؤلفي الكتب الراقية عنوانًا ومضمونًا، ولا نعترض على الحرية الثقافية التي يُتيحها معرض مسقط الدولي للكتاب، والذي عهدناه يُتيح الفرصة لكل المطبوعات والكتب والإنتاج الأدبي دون تقييد، مع ترك الرقابة للقارئ بصفة ذاتية. البعض يُسميها حرية ثقافية دون مصادرة، وترك الباب مفتوحًا والرهان على ذائقة القارئ في التفريق بين الغث والسمين والصالح والطالح. لكن ماذا عن النشء، وهي فئة مثّلت عددًا ليس بالقليل من زوار المعرض، فمن يحميهم ويوجههم في اختيار ما هو مناسب لهم، في ظل ما نواجهه من غزو فكري- مقصود أو غير مقصود- عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وظهر ذلك جليًا في الإشكاليات التي تصيدتها مواقع التواصل في كل محفل؛ وكأنها تمثل دور الرقيب والعين الثالثة البصيرة، وهكذا هي يجب أن تكون صادقة واعية منبهة لكل نقيصة، ومشيدة بكل إنجاز.
أتحدثُ هنا عن مطبوعات تحمل عناوين أقل ما يُقال عنها أنها خارجة عن المألوف، وقد لا تُناسب قيمنا وعاداتنا وتعاليم ديننا؛ فوجدنا من يطرح كتابه بعنوان غريب عجيب، في حين أن أغلب الساعين لاقتنائه من المراهقين.
كما وجدنا دور نشر تروِّج لكتاب، نُجزم أنه خادش للحياء، وهذا يدفعنا للاعتقاد بأن هناك من يحب الاصطياد في الماء العكر، ويستغل مثل هذه المحافل الثقافية لبذر سموم فكرية ونشرها بين المرتادين، لا سيما بين جيل المستقبل.
لا نُلقي باللوم على الجهات المختصة؛ فالكُتب كثيرة، ودور النشر عديدة، لكن نطالبهم بوضع قيمنا وعادتنا ومبادئ ديننا في عين الاعتبار، وألّا تكون الحرية الفكرية والثقافية الشمّاعة التي يعلقون عليها مبرراتهم؛ فالساحة الثقافية العمانية عُرِفَت دومًا بالتميُّز فيما تقدمه من مؤلفات رصينة، ساهمت في إثراء المكتبة العربية؛ بل والعالمية، من خلال مؤلفين أفذاذ يُشار إليهم بالبنان. كما نأمل من أولياء أمور المراهقين والنشء ألا يتركوا الحبل على الغرب لأبنائهم، وأن يمارسوا نوعًا من الرقابة الأبوية المتوازنة، وفق قاعدة "لا ضرر ولا ضرار".
خارج النص
أعزائي القراء.. أتوقّفُ عن كتابة المقال، خلال شهر رمضان المبارك، داعيًا الله عز وجل أن يتقبل منا ومنكم الصيام والقيام وصالحات الأعمال. وكل عامٍ وأنتم بخير. ولكم منّي خالص الودِّ والتقدير.