ضمن إصدارات مؤسسة "الرؤيا" بمعرض مسقط الدولي للكتاب 2024

"ديوان الشيخ حمد الطائي".. عصامية رجل أعمال تماهت روحه التواقة مع إبداعات الصور الشعرية المتلألئة

 

◄ القصائد الأولى للشيخ حمد كانت تنبئ عن شاعر واعد يقبض على جمر الكلمة فوُلِدت ناصعة البلاغة

◄ فن السيرة الشخصية في حياة الشعوب هو الهامش الأكثر اتساعًا للتاريخ شبه الرسمي للأوطان

الرؤية - خاص

أضافت مؤسسة "الرؤيا" للصحافة والنشر، إلى المكتبة العُمانية الإصدار الأحدث لديوان "الطائيات.. ديوان الشيخ حمد بن عيسى الطائي"، وذلك ضمن مشاركتها الثرية بالنسخة الحالية من معرض مسقط الدولي للكتاب.

ويتكئ الكتاب الجديد على مجموعة ثريَّة من المقابلات التسجيلية مع رفقاء رحلة الشيخ حمد بن عيسى الطائي، ويحوي تأريخًا مرويًّا على ألسنة معاصريه، ومن قصيدة إلى أخرى نقرأ فصلاً جديدًا من التاريخ العُمانيّ المُوازي شِبه الرسميّ، فضلاً عن عدسته التسجيلية التي صوّرت لنا فصولا من العلاقات الإنسانية سواءً العائلية أو بصُنّاع القرار في فترة أشد خصوصية من تاريخ سلطنة عُمان، كما يظهر مدى تشبث الشيخ حمد بن عيسى الطائيّ بجغرافية الأرض خاصةً ملاعب صباه في (بوشر) و(سمائل) وما حولهما، ومسقط وما جاورها. إنها حياة شعرية قصيرة في دروب العزة والكرامة وقوية بأثرها الطيّب والفاعل في حياة من تحلّقوا حوله.

وفي هذه السيرة الشعريّة والعصامية التي خاضها الشيخ حمد بن عيسى الطائيّ في النصف الثاني من القرن العشرين سنقلب معًا صفحات مشرقة من تاريخ أمّتنا بدايةً من بوابة (المدرسة السعيدية) الصرح العلميّ الذي كان بمثابة جامعة تخرّج فيها نخبة من العمانيين الذي قادوا الموجة الأولى من النهضة العُمانية، وعبورا إلى (جوادر) وفيها ذوو رحم وصلة دم مازالوا يتشبثون بهويّتنا وسماحة أخلاقنا، مرورًا بحاضرة (الدمّام) السعودية، وصولا إلى (البحرين) حيث كانت المحنة التي تولّدت منها المنحة حيث استطالت شجرة رجولته وصبره واستوت على سوقها، وأينعت ثمرتها في (دبي) بعد أن ربط على قلبه حجر الشوق إلى (عُمان) في (أبوظبي)، وقفل بعدها غربة طويلة إلى مسقط الحضن الدافيء مُلبيًا رسالة بريدية من السيد طارق بن تيمور - رحمة الله عليه- أول رئيس وزراء في حكومة السلطان قابوس -طيب الله ثراه- الذي دعا كل العُمانيين للعودة والمشاركة في النهضة المباركة، تكللت بتطوير صناعة الطباعة والمشاركة في تأسيس (غرفة تجارة وصناعة عُمان) عبر أكثر من خمسة وعشرين شركة كانت أحد أعمدة الاقتصاد الوطنيّ.

إنّ القصائد الأولى للشيخ حمد الطائيّ كانت تنبيء عن شاعر واعد يقبض على جمر الكلمة فوُلدت ناصعة البلاغة، صافية الأوزان، ورصينة الألفاظ غير أنّ انخراطه في الوظيفة الحكومية ومن بعدها داخل أروقة رجال المال والأعمال ورحلاته الاقتصادية المكوكية شرقًا وغربا أخذته من بيت القصيد إلى بيت المال فارتكز على شعر المناسبات تأريخًا وتقريظًا فأتت القصائد على عجل، ولم تمهله تجارته التفرغ للتنقيح وتطوير تجربته الشعرية.

ومن خلال مقدمة الكتاب نقرأ للابن البار حاتم بن حمد الطائي (إذا كان كلُّ والد أسطورةً في عيون بنيه؛ فأنا كنتُ شاهد عيان على التاريخ المشرّف لأبي الذي استند على ظهر أمي المرأة العمانية المثابرة والشجرة الطيبة أصلا وفرعًا فقد كانت نعم الأم التي قبضت على جمر محبتنا، وكانت وفيّة لوالدنا فلم تكسرها المحن، ولم تحن ظهرها الضوائق، ولم تتبرّم من رحيلها الدائم ما بين الأقطار والحواضر فَرَدَت جُنْحَها وذادت عن حياض أسرتها، ورعت فراخها حتى شبّوا عن الطوق ومازالت مصباح أمل نتحلّق حوله جميعًا ونتزوّد منه في رحلتنا اليومية نحو المستقبل).

وفي الأخير يبقى القول أنّ فن السيرة الشخصية في حياة الشعوب هو الهامش الأكثر اتساعًا للتاريخ شبه الرسميّ للأوطان، بل ويمثل (التاريخ الشعبيّ الموازي) للمسيرة الحضارية التي انطلقت منذ عصر التدوين الأول في التاريخ الإنسانيّ، وتاريخ عُمان وحضارتها الضاربة بجذورها في التربة الإنسانية جزء لا يتجزأ من مجموع تاريخ الأمم كافة، وإن شئنا الدقة فالتاريخ العُمانيّ القديم والمعاصر والموغل في القدم، ومنه تاريخ الأشخاص الذين رسموا مستقبل أوطانهم ومنهم والدي -رحمه الله وطيَّبَ ثراه- في حقيقته قطع من الفُسيفساء صنعها مواطنون شرفاء تجاورت، وتداخلت وتكاملت حياتهم وشكّلت لوحة فنيّة ضخمة نحتتها مغامراتهم بحب على جدران الضمير الوطنيّ باتساع خارطة عُمان من أقصاها إلى أقصاها، وامتدت في أطراف الأرض يحملونها في قلوبهم أينما ولّوا بوجوههم حاملين رسالة عُمان إلى العالم.

تعليق عبر الفيس بوك