حبر على ورق

 

محمد بن حمد البادي

mohd.albadi1@moe.om

كل الشكر والتقدير للمؤسسات القائمة على تطوير القطاع الاقتصادي في السلطنة التي تسعى جاهدةً بشكلٍ حثيثٍ في سبيل تحقيق مستوى مرضٍ من التقدم والنجاح في المجال المالي والاقتصادي، واضعةً نصب عينيها التوجيهات السامية لجلالة السلطان المعظم القاضية بتنمية القطاع الاقتصادي حتى نضع السلطنة في مصاف الدول المتقدمة ماليًا واقتصاديًا.

جهود كبيرة تسير وفق خطط مدروسة وأهداف جلية تقوم بها هذه المؤسسات من أجل خلق مناخ اقتصادي جاذب للاستثمار من خلال ممارسات واضحة لاستشراف المستقبل الاقتصادي للسلطنة ساعيةً بشكلٍ جادٍ لتحقيق مرئيات رؤية "عمان 2040".

ومن أبرز أهداف هذه المؤسسات خفض الدين العام ودين الشركات الحكومية، وتحسين التصنيف الائتماني للسلطنة، وخفض معدل التضخم لأدنى مستوياته، وتحويل العجز المالي إلى فوائض مالية، واخراج السلطنة من دائرة الانكماش الاقتصادي وتحويل ذلك إلى نمو اقتصادي بمعدلات مريحة.

لكن المواطن البسيط- وأقصد به غير المتخصص في المجال الاقتصادي- لا يدرك معنى ذلك، وغير مهتم بالتصنيف الائتماني ولا يأبه بالبطالة إن زادت أو نقصت، وربما لا يتصور أبدًا أن الاقتصاد تعتريه حالات تمدد وانكماش، وغير معني بالتفاصيل الدقيقة لتنويع مصادر الدخل، فكل هذه المصطلحات والمفاهيم الغريبة عليه تدور على ألسنة المتخصصين، وكل هذه الانجازات إن تحققت لا تعدو في رأيه عن كونها مجرد حبر على ورق، لأنه ببساطة ليس خبيرًا ماليًا ولا مستشارًا اقتصاديًا.

إن جُل ما يهتم به هذا المواطن العادي ما يراه بأم عينه على أرض الواقع، انجازات ملموسة ومحسوسة بشكل مباشر، مثل إيجاد حلول سريعة وفعالة لمشكلة الباحثين عن عمل، والذين بلغ عددهم حسب التصريح الأخير لمعالي وزير العمل 100 ألف مواطن، والعدد يكبر سنة تلو أخرى ككرة الثلج المتدحرجة، فبعضهم وصل لمشارف الأربعين وتمر عليه الليالي والأيام والساعات الطوال قابعًا مكانه منتظرًا الفرج ولا حول له ولا قوة، فلا وظيفة ولا بيت ولا زواج ولم يضع حجرًا واحدًا لبناء مستقبله الذي طالما حلم به، ولا بارقة أمل تلوح في الأفق.

والعامل البسيط لا يعرف معنى التضخم، ولا يدرك عوامل ارتفاعه أو أسباب انخفاضه؛ بل إن ما يشغل فكره ليل نهار كيف يوفر أساسيات العيش الكريم له ولأبنائه ولباقي أفراد الأسرة.

وما يحقق رضا هذا المواطن مثلًا- وغيره من المواطنين الذين يشكلون الرأي العام- إيجاد حلول إيجابية لمسألة التسريح من العمل، ويتحقق رضاه كذلك عندما يجد حلًا لتسعيرة الماء والكهرباء التي أرهقت كاهل الناس، ويتحقق عندما نرفع الحد الأدنى للأجور من 325 ريالًا إلى 500 ريال على أقل تقدير، ويتحقق عندما نجد سبيلًا لتنويع مصادر الدخل إلى جانب القطاع النفطي، ويتحقق بتحقيق البلد اكتفاءً ذاتيًا في مجال الصناعات الغذائية والدوائية وغيرها، ويتحقق عندما نرى أن نسبة التعمين بلغت معدلات مرتفعة في كل القطاعات.

كما يتحقق رضا الرأي العام عندما توائم مؤسسات التعليم العالي بين التخصص الذي يدرسه الطالب وبين متطلبات سوق العمل بهدف الحصول على مخرجات وطنية على أعلى قدر من المهارة، ويتحقق في مراجعة سياسات سوق العمل المحلي بما يخلق فرص وظيفية حقيقية تستوعب الأعداد الهائلة من المخرجات التعليمية كلٌ حسب تخصصه.

هذه أمثلة يسيرة على المقاييس الحقيقية التي يجب أن تؤخذ في الاعتبار عند قياس رضا الرأي العام، وهذا فيضٌ من غيض؛ لأن هذه الأشياء تمس معيشة المواطن بشكل مباشر، أما ما عداه فإن المواطن البسيط لا يدركه ولا يقع ضمن دائرة اهتماماته لأنه غير متخصص في تنمية القطاع الاقتصادي، إنما يساهم في بناء وطنه ويحافظ على مقدراته ومكتسباته بالقدر المطلوب منه فقط؛ وبما يراه في الاتجاه الصحيح نحو البناء والتعمير، تاركًا الامور التخصصية الأخرى لمن يعتقد أنه أهلًا لتنفيذها بالشكل الصحيح.