"الأونروا" والبديل الحضاري

 

علي حبيب اللواتي

تأسست الأونروا بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 302 في ديسمبر 1949 "لتنفيذ برامج إغاثة وتشغيل مباشرة" للاجئي الشعب الفلسطيني، وقد بدأت الوكالة عملياتها في الأول من مايو 1950.

ولدى الأونروا تفويض إنساني وتنموي لتقديم المساعدة والحماية للاجئي الشعب فلسطيني ريثما يتم التوصل إلى حل عادل ودائم لمحنتهم، وتتلخص خدماتها في التعليم والرعاية الصحية والإغاثة والبنية التحتية والدعم المجتمعي والإقراض الصغير والاستجابة الطارئة بما يشمل ذلك أوقات النزاع المُسلح.

ويقع المقران الرئيسان للأونروا في الأردن وغزة، وكذلك تحتفظ الوكالة بمكتب ميداني في مناطق عملياتها: الأردن، ولبنان، وسوريا، والضفة الغربية، بما في ذلك القدس الشرقية، وقطاع غزة، ولها مكاتب اتصال في نيويورك وواشنطن وبروكسل والقاهرة، وتساهم دول العالم في تمويل الوكالة لتقوم بواجباتها.

ويقوم الاحتلال باستمرار بإعاقة الوكالة عن تنفيذ واجباتها نحو الشعب الفلسطيني بكافة الطرق، ومن أحدثها أنه ادعى أن الوكالة تساند المقاومة في غزة وهي بذلك تعتبر شريكًا في أعمالها مما اضطر الوكالة للقبول بالتحقيق في أعمالها، فما كان من بعض الدول الغربية إلا أن أوقفت دعمها للوكالة حتى قبل اكتمال التحقيقات لتشكل بذلك مع المحتل قبضة حديدية لسحق الشعب الفلسطيني الذي بات يعيش بالعراء من دون ماء ولا طعام ولا سكن ولا مقومات لحياة طبيعية.

اعترض الاحتلال على الوكالة ليعطل عملها بعد صدور قرارات محكمة العدل الدولية ضده، على الرغم من أن تلك القرارات لم تطالب المحتل بالوقف الفوري للقتال مثلما صدرت قرارتها ضد روسيا بالوقف الفوري للقتال في أوكرانيا وتوفير مقومات الحياة للسكان، ليشاهد العالم الاختلاف في قرارات محكمة العدل عند تطبيق المعايير، رغم وضوح الأدلة بأن الاحتلال يقوم بأعمال عسكرية مدمرة ضد سكان غزة المدنيين وتنفيذ ممنهج  لتطهير عرقي بغيض وتشريدهم من مناطقهم بعد تدمير مساكنهم وذلك لدفعهم إلى النزوح الإجباري خارج غزة إلى الشتات ليُعيد تكرار النكبة!

وتماشيا مع اعتراض الاحتلال امتنعت بعض الدول الغربية وعلقت مساهماتها لتمويل الوكالة، وتأتي على رأسهم أمريكا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا والنمسا وكندا وهولندا وأستراليا واليابان وفلندا، وهؤلاء في اليد الأخرى لم يوقفوا دعمهم العسكري والدبلوماسي والمالي للعد والمحتل رغم إدانة محكمة العدل للاحتلال، هذا يوضح للعالم عمق مشاركتهم للمحتل المغتصب في اضطهاد الشعب الفلسطيني الصامد.

ولم يكتفِ الاحتلال بتعطيل الوكالة إنما بدأ بالمطالبة بإلغاء تام للوكالة  ليمهد لتصفية قضية اللاجئين وشطب قرار حق عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى وطنهم المحتل رقم 194 الذي يقرر فيه "وجوب السماح بالعودة، في أقرب وقت ممكن للاجئين الراغبين في العودة إلى ديارهم والعيش بسلام مع جيرانهم، ووجوب دفع تعويضات عن ممتلكات الذين يقررون عدم العودة إلى ديارهم وكذلك عن كل فقدان أو خسارة أو ضرر للممتلكات بحيث يعود الشيء إلى أصله".

وبذلك الشطب سيتم تحويل أعمال الوكالة كملف عادي لدى لجنة الأمم المتحدة التي باتت أجنحتها مقصوصة أمام  التحيز والفيتوالأمريكي في مجلس الأمن.

وفي محاولة لتخفيف وطأت ما أقدمت عليه تلك الدول المتماشية مع موقف الاحتلال من الوكالة الدولية، قالت الخارجية الألمانية بأن الأونروا "ليست المصدر الوحيد الذي يقدم المساعدات الإنسانية للفلسطينيين"، في إشارة إلى وجود منظمات دولية أخرى قد تقوم بالدور ذاته لتؤيد طلب الاحتلال وهذا يدعم طلب المحتل.

وكان رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو قد دعا في العام 2018 إلى وضع اللاجئين تحت مفوضية شؤون اللاجئين في الأمم المتحدة وإنهاء وجود وكالة الأونروا.

إن تجميد مساعدات الأونروا يمثل تعطيلًا لقرار (المحكمة العدل الدولية)، الرامي لتسريع وزيادة إدخال المساعدات الإغاثية لقطاع غزة، وستكون له آثار مدمرة على حياة السكان المحاصرين.

وقد دفع موقف تلك الدول، وكالة الأونروا للتحذير من أن وقف التمويل سيؤدي إلى عدم تمكّن المنظمة "من مواصلة خدماتها في قطاع غزة وبقية مخيمات اللجوء الفلسطيني في الشتات بعد نهاية فبراير".

أمام هذا الوضع المأساوى وتسييس أعمال الأونروا، فماذا يجب على العالم الإسلامي والدول المعترفة بالحقوق الفلسطينية أن تفعله لإنقاذ الشعب الفلسطيني؟

الشعب الفلسطيني يعاني منذ 75 سنة الآن مثلما بدت مخالب الغرب واضحة في المشاركة في تجويع ومضاعفة مصاعب حياة الشعب الفلسطيني الصابر فأصبح من الأهمية القصوى ومصلحة الأمة الإسلامية في الإبقاء على روح هذا الشعب الصابر وموازرته ومساعدته، وبات من المنطق أن تبادر بالتعاون والاشتراك مع بقية الدول الحرة التي تناصر الحقوق الفلسطينية بأن تؤسس "وكالة الغوث الإنسانية الإسلامية"؛ لتقوم بالواجب الإنساني نحو الشعب الفلسطيني اللاجئ في عدة دول، وكذلك مساعدة بقية الدول التي تعاني شعوبها من ويلات الحروب والنزاعات الداخلية، وبالتأكيد أن تلك الدول قادرة مجتمعة على تحقيق ذلك، متى ما وُجِدَت الإرادة الفاعلة، وهذه الوكالة الجديدة ستكون المظهر الحضاري المُشرق الذي سيُعيد رسم حياة الشعوب المقهورة ونقلها إلى مرحلة الاستقرار وإعادة دوران عجلة الحياة فيها.