الحب في رحاب الفعل

 

فاطمة الحارثية

فراس وهو مطأطئ الرأس: كانت ضحكات طفلي تسبق ظهوره وهو يُهرول إليّ لحظة دخولي للمنزل!

ما هذه النبرة فراس؟ ماذا حلَّ بك فجأة؟ ألتفت إليّ وهو لا يراني، ومضى وهو يتمتم: اليوم لا أحد يُلاحظ عودتي أو دخولي للمنزل! أعتقد أنهم يختبؤون لحظة سماعهم لهدير السيارة، وأكمل وهو يفتح الباب: لديَّ اجتماع هام؛ -هتفت- لحظة فراس! دخل غرفة الاجتماعات دون أن يرد على أسئلتي.  لا أستطيع، ولا أحد يستطيع أن يتخيل أو يعلم كم وحجم ما يمر به غيره، وإن كانوا في رفقة قريبة وطويلة، حتى ذاتك وأنت معها دون سِنة ولا انقطاع، كثيرا ما تفاجئنا ردة فعلنا. كلمات الاهتمام دفء، وكلمات التحفيز أمانة ننقلها للآخر، وكلمات الحب... مهلاً، لا اتفق، الحب ليس كلمات اسمحوا لي.. الحب فعل وسلوك يُعزز بالقول، والتعبير عنه فريضة على المحب والحبيب على حدٍ سواء.

تحب مريم أن تكرر: نحن نحب السماء ولا نتزوجها... ونحب القهوة ولا نمتلك مزرعة قهوة، افهم الحب، ولا تهرطق بما ليس لك به علم وفهم، وغالبًا ما تنتقد الدراما التي يحب فراس أن يعيشها، فهو قد يختلق موقفًا من خياله ويعيش الأحداث ويتفاعل معها، ولا أحد يستطيع أن يُرجعه إلى أرض الواقع، إلا إن قرر هو ذلك، هل يُذكرك فراس بشخص ما تعرفه؟!. أراجع ما أقوم به دائمًا، وأمارس المرونة أثناء انغماسي في عمليات التنفيذ، بالرغم من  أنني أحلل كثيرا، واستشير وأتصور مخاطر واحتمالات كل قرار أو فعل قبل أن اتخذه، وما أخشاه هو أمر شائع نسهو عنه، وإن مارسنا الاستشراف الذي يبين لنا الاحتمالات وأثرها، لأننا بكل بساطة لا نعلم الغيب، ولا نمتلك القدرة على التحقق من أبعاد ومدى تأثير القرارات والأفعال، بمعنى التأثيرات غير المتوقعة وغير المباشرة بنا أو فيمن حولنا، خاصة عندما تكون مؤثرا وفاعلا، ويغمرك الشغف والحماس.

مرَّ فراس بتجربة عامة، يهرول الطفل إلى أبويه في صغره، وعند منتصف الطريق، يُفسر انشغال أبويه بخياله الواسع، ثم يتصرف حسب ترجمته العفوية لفهمه، وبعد حين عندما يصبح الابن هو الآخر منشغلاً بحياته الخاصة، يشعر الأب أن ابنه خرج عن كنفه، فيغضب من نفسه لأنَّه خسر أياما لن تعود وإن كانت تضحيته من أجل أسرته، فيتصرف بانفعال مُستمر، وشباب الابن لا يعفو، ويحصل صدام باسم العقوق وما هو إلا مطالبة بحُب على حياء مكسو بالعصبية؛ على الأب أن يلين كي لا يعيش ابنه خطأه؛ صحيح هناك من سيُفسر هذا الموقف على أنَّه خلل في أسلوب التوازن بين العمل والأسرة والحياة عمومًا، وهنا أقول إن الشغف هو سيد الموقف والحكم المطلق في مسألة التوازن، وغالباً ما ينتصر الشغف في معركة الواجب والمسؤولية.

العقوق عبء على الجانبين، وله دوافع وبيئة تتشكل منه تلك الآلام، والسلوكيات، وغالباً من يكون عقوق الأبوين لأبنائهما ما قاد وصنع عقوق الأبناء، ومن يشتكي من عقوق أبنائه لينظر ماذا فعل وما صنع، والاعتذار لا يعوض جرحا أو خللا تراكم لزمن، عندما أخطئ أو أشعر أنني أخطأت أسرع بالاعتذار لطفلي، هذا لم يُقلل من مكانتي ولا مقامي، ولا أراه عيبًا، ولم أرَ منهم تصغيرا أو كِبرا، قالت لي صديقتي هذه نعمة من الله، نعم، نِعم ربي لا تعد ولا تحصى والشكر يُبارك فيها، ونبذت التقليد والتزمت بالتغيير، حتى غير الله ما في نفسي وأنفسهم.  

وإن طال...

عندما تنهل أجيال متعاقبة من نفس الكتب المدرسية، ثم نطالب بالتطور والنمو والاستدامة، لا أرى أي منطق أو واقعية في مثل هذه الدعوات، عندما تكرر المدارس نفسها، وآلاف الأطفال والشباب يمتحنون من نفس صندوق الأسئلة، ثم نطلب بالابتكار والإبداع!، حدثونا بما يُعقل، هرمنا.