أمريكا تفتش عن كرامتها في البحر الأحمر

 

علي بن مسعود المعشني

ali95312606@gmail.com

أمريكا دولة تُمثل نموذج القوة المُفرطة بلا عقل؛ لأنَّ الثقافة الأمريكية أسسها المُهمَّشون والمنبوذون من أوروبا، والذين أسسوا بدورهم أمريكا على جثث السكان الأصليين والذين أطلقوا زورًا عليهم تسمية "الهنود الحُمر".

أمريكا عبر تاريخها، خاضت حروبًا في جغرافيات الأرض جميعها، وضد أغلب شعوب الأرض، بمعدل حرب في كل عام في ترجمة واضحة وجلية لثقافة العنف التي اتسمت بها الشخصية الأمريكية، ومن سلموا من بطش قوة أمريكا العمياء وساروا في فلكها خوفًا وطمعًا، منحتهم ألقابَ ترضيةٍ بمسمى "حلفاء"، وهم في حقيقتهم توابع لها، وخدم أوفياء لمصالحها.

توصف الدولة القوية بأنَّها دولة تمتلك عناصر القوة العقلية وقوة الرُشد أولًا؛ أي دولة عاقلة وراشدة، وبما أن الدولة في التعريف القانوني شخصية اعتبارية وليست شخصية طبيعية، فتلك الصفات تُطلق على من يقود الدولة من شخصيات طبيعية، بحيث تتصف الدولة بتلك الصفات، ولا تقتصر تلك الصفات على رأس الدولة وقيادتها، بل تمتد لتشمل القاعدة كذلك؛ أي أن تكون القوة والرشد من السمات الغالبة على مجتمع الدولة، ومن خصائص العقل الجمعي بها، لهذا كان التمييز في وصف الدولة وليس النظام أو الحكومة، على اعتبار أنَّ النظام والحكومة طيف من أطياف الدولة وليس كل الدولة وكما يفهم البعض ويختزل.

ثاني عناصر وصفات قوة الدولة، القوة الإيمانية، وتتمثل في قوة الإيمان بالعقائد الدينية والثوابت، والتي تنتج بدورها قوة إيمانية في العقائد السياسية والعسكرية للدولة.

ثالث عناصر قوة الدولة، القوة الاقتصادية، المتمثلة في الصناعة والزراعة والأمن الغذائي، وبالنتيجة اقتصاد ثري وحيوي ومتنوع للدولة.

رابع عناصر قوة الدولة، القوة العسكرية والمتمثلة بالعدة والعتاد، المقرون بالتصنيع العسكري.

أمريكا دولة قامت على العنصرين الأخيرين، قوة اقتصادية، وقوة عسكرية، وافتقدت أهم عنصرين، وهما: عنصر قوة العقل والرشد، والقوة الإيمانية. لهذا هُزمت أمريكا في جميع حروبها ومواجهاتها ضد دول وشعوب امتلكت قوة العقل والرشد والإيمان، في فيتنام وأفغانستان والعراق وفي اليمن اليوم، وفشلت كذلك في تطويع سوريا وإيران.

أمريكا كدولة فاقدة لقوة العقل والرُشد والإيمان، تخوض الحروب بقوة الاقتصاد وبقوة السلاح، بدون تقدير لقوة الخصم، وبلا استراتيجية خروج من الأزمة، لهذا تجد نفسها في مآزق كارثية في الغالب، وفي خيارات صعبة، فتمارس مُكرَهةً سياسة الهروب إلى الأمام على الدوام كخيارٍ وحيدٍ، أو تبحث عن صناعة أي نصرٍ من أي نوعٍ كان.

أمريكا اليوم تخوض حربًا في البحر الأحمر بالنيابة عن استثمارها الاستراتيجي المتمثل في الكيان الصهيوني، وتحت شعار غريب ومُستهجن وهو "حماية الملاحة البحرية"، في زمن يقوم فيه كيانها بتدمير وقتل كل شيء في غزة، على مرأى ومسمع من العالم، ومن ردود أفعال "أنصار الله" في اليمن، تبيَّن لها أنها أخطأت وكعادتها في تقدير قوة الخصم وحجم ردود أفعاله على عملياتها العسكرية في اليمن، وتبيَّن لها أن حجم خسائرها المادية في هذه المواجهة جعلها محل سخرية وعطف من العالم، كدولة كبرى، كما تبيَّن لها عدم وجود استراتيجية خروج من الأزمة تلجأ إليها في ورطتها اليوم، ولجوؤها إلى أصدقاء وحلفاء للقيام بدور الوسيط يعني المزيد من الأثمان والتكاليف السياسية أو المالية مقابل ذلك.

لهذا ليس بالمستغرب أن نرى أمريكا تُفتِّش اليوم عن كرامتها أولًا وأخيرًا في البحر الأحمر؛ حيث لم يعد الحسم العسكري أمرًا مُمكنًا.

الغريب أنَّ حلفاء أمريكا أصيبوا بنفس اللوثة السياسية؛ حيث يُفتتنون بالقوة العسكرية العمياء لتحقيق مآربهم، فيهزمهم العقل والرُشد والإرادة.

قبل اللقاء: "الأمريكان، لا يفكرون؛ بل يجربون حتى يفشلوا" ونستون تشرشل.

وبالشكر تدوم النعم.