مستقبل الصهاينة وأذنابهم بعد نتنياهو

 

علي بن سالم كفيتان

دارت حوارات وصفت بالجادة بين أوساط النخب السياسية الغربية ومن والاهم من عالمنا عن مستقبل غزة بعد حماس، وخاضوا حتى في التفاصيل عمّن سوف يحكم القطاع بعد مسحه من الوجود وتشريد أهله وقتل قيادات المقاومة الفلسطينية وتسابق المتصهينين لتقديم خدماتهم.

منهم من طرح خدماته الأمنية متزلفًا للكيان بأنه سيكون الحصن الحصين والدرع المتين لحماية بني صهيون، ويضمن عدم تكرار ما حصل في 7 أكتوبر 2023، وآخرون تكفلوا بإعادة إعمار القطاع بعدما هدمه المجرمون على رؤوس ساكنيه، والبعض صار يعمق السراديب ويقطع الأنفاق ويرفع علو الأسوار والمتاريس، لمنع حتى نسمة الهواء من الدخول إلى غزة، ولو استطاعوا جميعهم لوقفوا في طابور لتقديم الخدمات للسيدة أمريكا، في انكسار وذل وهوان لم تشهده الأمة منذ زمن بعيد، لكن المفارقة اليوم أن العالم بات يتحدث بشكل مغاير عن مستقبل الصهاينة وأذنابهم في المنطقة بعد رحيل بنيامين نتنياهو وعصابته المجرمة.

كل حساباتهم ذهبت أدراج الرياح مع إصرار نتنياهو على نحر جيشه حتى آخر جندي داخل خان يونس الصامدة، ولا زلت أذكر هنا مقولة سيدة عربية أصيلة من جبال ظفار أيام حرب احتلال العراق حين وفد للدار مجموعة من الناس إلى المجلس وكانت هي في الداخل تتابع الحرب عبر قنوات الجزيرة وتذرف الدموع على ما حدث في العراق، فقد قضت فيها سنين من عمرها مع العائلة عندما كان النضال العربي يولد من رحم بغداد، دخل عليها حفيدها إلى الغرفة، وقال: "رجال في المجلس"، فردت عليه بشكل فيه نبرة زجر قائلة: "الرجال في الفلوجة"، فأصبح مثلًا دارجًا يُتداول فيما بعد. وإذا قلنا اليوم "إن الرجال في غزة"، فستكون عبارة صادقة، لأن ما يحدث من بطولات في أرجاء غزة العزة، ملاحم سطّرها رجال مثل ليوث الغاب، باتوا يحصدون علوج بني صهيون عن قرب؛ فبعد أن كان الظفر بصهيوني من المستحيلات لتحصنه ومنعته وبُعده عن مرمى المجاهدين، أحضرتهم خطة السنوار إلى الساحة جهارًا نهارًا، فبات القصاص على أرض المعركة.

من كان يتوقع سقوط آلاف الصهاينة بين قتيل وجريح ومشرد وهارب؟ ومن كان يتوقع هجوم الجموع على الكنيست والمطالبة بعزل نتنياهو ومحاكمته؟ ومن كان يتوقع أن تكون إسرائيل مهددة بالإدانة ومن ثم وصمها بجريمة الإبادة الجماعية، على مرأى ومسمع من البشرية؟ ومن كان يتوقع نزوح 90% من الصهاينة إلى الملاجئ في حيفا (تل أبيب)، وتوزيعهم على الفنادق لأكثر من 100 يوم؟! ومن كان يتوقع الهجرة العكسية الكبيرة للصهاينة إلى أوروبا وأمريكا؟

لم يكن يتوقع أحدٌ حدوث ذلك قبل السابع من أكتوبر، ثم يأتي واحد "رأسه مربع"- كما يُقال- ويُقلل من قيمة هذا الحدث المفصلي في تاريخ النضال الفلسطيني، ويُقزِّم الحركة الجهادية ويضعها في قالب الأحزاب الإسلامية التي يُعاديها ويلاحق أبناءها بالحديد والنار ويوصمها بالتبعية لدول إقليمية استطاعت فرض أجندتها على المنطقة وقدمت المال والسلاح والتقنية للجهاد.

يا من راهنتُم على الخيار الخطأ وقزَّمتم أوطانكم وخذلتم شعوبكم ماذا أنتم فاعلون اليوم؟

لا شك أنكم في حيرة من أمركم، ولا شك أن مصيركم كمصير بايدن ونتنياهو، بعد أن اشتعلت المنطقة وباتت على شفا الفوضى التي تنشدها وتسعى لها أمريكا (الفوضى الخلاقة).

يقول البعض إن أكبر نعمة في هذه المواجهة هو غياب الوسطاء التقليديين الذين دأبوا على الانكسار والخنوع للصهاينة وترك المعركة لأصحابها، ليصنعوا واقعًا جديدًا. واليوم بتنا نؤمن أن النصر الذي يُسطِّره المجاهدون في فلسطين ما كان ليحدث، لولا إرادة الله أولًا، ومن ثم غياب تدخل أيادي المعاهدين للكيان الصهيوني في الأمر، فرب ضارة نافعة. ما يحزنني السعي الحثيث من أنظمة عربية لتضميد جراح الصهاينة والبحث لهم عن مخارج من خيبتهم وهزيمتهم، في الوقت الذي تتهاوى فيه راياتهم الهشة ويموت حلمهم في فلسطين.

قبل الختام.. لاذ قلمي بطاولة فسيحة وبات يرقد وحيدًا على أطرافها وقد تجمدت قطرات الحبر داخل أنبوبته البيضاء، فأصبحت كذرات السكر الأزرق، في الوقت الذي يستجير فيه أصبعي من تكرار النقر على الحروف الميتة، وإصابتها بالخدر؛ فالدم لم يعد يزورها، وتقول لي "هذا يكفي".