راشد بن حميد الراشدي **
في خبر صادم لنتائج المسح السنوي للخريجين والذي قامت به وزارة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار مؤخرا وأعلن قبل أيام من قبل المسوحات التي قامت بها وزارة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار على مجموعة كبيرة من الشباب الخريجين؛ حيث أظهرت نتائج استبانة مسح الخريجين الرابع 2023 والذي استهدف خريجي الأعوام الأكاديمية (2019/2018، و2020/2019، و2021/2020)، أن غالبية المشاركين في المسح من الباحثين عن عمل، وبلغت نسبتهم 65.54% من إجمالي المستجيبين، كما إن معظم المشاركين من الحاصلين على مقاعد دراسية على نفقة وزارة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار، مشكلين ما نسبته 48.8% من إجمالي المشاركين. وبلغ إجمالي المُستجيبين والمكملين لاستبانة المسح 30765 خريجا وخريجة من إجمالي عدد الفئة المستهدفة وعددها 72000 خريج وخريجة في الأعوام المذكورة، مشكلين نسبة استجابة وقدرها 43% من إجمالي المستهدفين بالمسح، وشكلت الإناث النسبة الأعلى من المستجيبين في المسح حسب النوع الاجتماعي؛ حيث بلغت نسبتهن 70% من إجمالي المستجيبين.
من خلال هذه البيانات وهي نتيجة مسوحات علمية، وجب أن تدرك جميع جهات الاختصاص أهمية ملف توظيف الخريجين مع أعداد الخريجين المتزايدة والذين يتضاعفون بشكل سنوي مشكلين عبئًا كبيرًا على الوطن، يجب إيجاد الحلول الناجعة له وفق خطط ودراسات تستوعب هذه الأعداد الكبيرة من مخرجات التعليم العالي وذوي الكفاءات العلمية والذين يطرقون أبواب التوظيف لسنوات بدون عمل؛ حيث يجب العمل الجدي من قبل الحكومة وتكاتف جميع الجهات والمؤسسات والشركات لاستيعاب هؤلاء الخريجين وتوظيفهم وضرورة وجود الشفافية المطلقة في عملية التعيين والتعمين خاصةً في القطاع الخاص والشركات والمؤسسات الكبرى في البلاد والتي نراها مثقلة بأعداد كبيرة من الوافدين، وكذلك تجرد أصحاب الشركات من التحايل على القوانين والتمسك بالعمالة الوافدة والسعي للثقة في أبناء الوطن والأخذ بأيديهم نحو الإبداع والجد والاجتهاد في العمل.
مثل هذه المسوحات أعطت مؤشرات حقيقية لأعداد الباحثين عن عمل وكثافتهم وأهمية تشكيلهم لنواة عُمان المستقبل في ظل رؤية "عُمان 2040" والتي يجب أن يكون الشباب العماني هم محورها الأساسي وعمادها في جميع برامجها وخططها القادمة.
إن إطلاق صندوق عُمان المستقبل قبل أيام، ووجود الكثير من الشركات والمحافظ الاستثمارية لدعم النهوض بالسلطنة، وجب من خلالها كذلك توجيه أي مشروع استثماري نحو توظيف الشباب فيه، إضافة إلى أنه عند طرح المناقصات بمجلس المناقصات أو إسناد أي عقود من وزارات ومؤسسات الدولة لبعض الشركات صاحبة الامتياز يجب على تلك الشركات أن توظف أعداداً كبيرة من الشباب الباحثين في مختلف المجالات والتخصصات التي تتطلبها تلك الوظائف أو تطلبها الشركة للعمل فيها.
نتائج التعداد السكاني توضح أن سكان السلطنة بلغ 5,165,602 نسمة بنهاية عام 2023؛ حيث يشكل العمانيون نسبة 56.70% من السكان بإجمالي قدره 2,928,957 فردًا، في حين يبلغ عدد الوافدين 2,236,645 نسمة، ممثلين نسبة 43.30% من سكان السلطنة بحسب المركز الوطني للإحصاء والمعلومات.
نقول اليوم ومع بدء العام الخامس من النهضة المتجددة بقيادة حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله- حان وقت إدارة هذا الملف المهم جدًا، والذي يقلق المجتمع ونقول: رفقًا بأبناء عمان الذين بذلوا جهدهم في سبيل الوطن واستطاعوا التفوق في كل المجالات وتخرجوا من مختلف الجامعات، لأجل بناء عُمان الغد وبناء أنفسهم بعرق جبينهم من خلال التوظيف والعمل في أي قطاع يناسب شهاداتهم؛ سواء في القطاع الحكومي أو الخاص أو دعمهم لتأسيس مشاريع ناجحة لا يواجهون فيها منافسة غير عادلة من الوافد.
آن الأوان لينعم أبناء الوطن بخيراته وتفعيل التعمين الحقيقي في مؤسسات الدولة من عاملين في القطاع الحكومي والخاص، فعدد الباحثين والمسرحين مقارنة بعدد الوافدين إذا ما تم إحلالهم ضئيل جدا؛ حيث إن عدد الوافدين كبير جدًا وكلهم من فئة الشباب العاملين.
من أجل ذلك كله أتمنى من الجهات المسؤولة في الدولة القيام بعدد من الخطوات الفاعلة، ومنها:
- إيجاد وزارة مختصة تهتم بالكوادر البشرية الوطنية، تقوم بمتابعة توظيف المواطنين في مختلف القطاعات الحكومية والخاصة منفصلة كليًا عن وزارة العمل همها الأول ملف التوظيف من باحثين ومسرحين. وجعل اختصاصات وزارة العمل للوافدين فقط وإعادة تسميتها وزارة مختصة بالقوى العاملة.
- إلغاء نظام العقود المؤقتة والتعيين المباشر للكفاءات، بينما يمكن استبدالها بفترة تدريب وتجربة لمدة ستة أشهر يُعين بعدها الموظف بدرجته المالية بعيدًا عن نظام العقود الذي يتسبب في قلق الموظف واستغلال بعض الشركات والمؤسسات لذلك العقد المبرم.
- متابعة التعمين في كل المؤسسات الحكومية والخاصة متابعة رقابية جادة ووجود كشوفات وبيانات متكاملة باحتياجات القطاعات الحكومية في إحلال المواطن بدل الوافد خاصة في قطاع التعليم والصحة. كما تتابع جميع المؤسسات والشركات الحكومية والخاصة في عملية تعمين المواطنين في هذه الشركات خاصة التي تفوز بالمناقصات.
- دعم الشباب العماني المُنتِج في مشاريعه خاصة المؤسسات الصغيرة والمتوسطة بصورة عامة للجميع من خلال تقديم برامج تحفيزية عامة لجميع هؤلاء الشباب كتوفير الكهرباء والماء مجانًا لمشاريعهم، والإعفاء من الرسوم المتعلقة بمشروعاتهم ولمدة خمس سنوات، حتى ينجح المشروع؛ وذلك تماشيا مع ما أقرته الدولة من حزم تحفيزية أخرى؛ حيث سيجد ذلك صدى كبيراً لدى الشباب العماني ويشجعهم على المضي قدمًا في مشاريعهم. فكم من مشاريع صغيرة ومتوسطة كانت مصدر رزق وأغلقت بسبب عدم وجود مثل هذه التسهيلات وعجز بعضهم عن سداد رسوم الكهرباء والماء مع عجزهم عن سداد مختلف الرسوم الأخرى.
- إطلاق مشاريع استثمارية كبيرة وإيجاد فرص وظيفية للعمانيين للعمل بداخلها مع التدريب وأخذ الخبرات المناسبة من أجل استدامتهم في مشاريعهم؛ حيث نرى اليوم وللأسف مشاريع بملايين الريالات ونسب العاملين فيها من العمانيين بسيطة جدا أو في وظائف متدنية كسائقين وحراس، بينما المواطن يمكنه العمل في مختلف الوظائف ويحمل ولله الحمد أعلى الشهادات وفي جميع المجالات.
إن العائد من توظيف الشباب العماني سوف تهلُ بشائره على الوطن وأبنائه من خلال استقرار أبنائنا وتمتعهم بخيرات الوطن ودورة المال في الوطن وعدم هجرته للخارج والبعد عن الفراغ والفاقة وزيادة عدد الباحثين بدون حل حيث إن تكدس الباحثين والمسرحين له نتائج عكسية يعاني منها المجتمع اليوم وتقلق كل بيت حيث بدأت تنتشر ظواهر دخيلة على المجتمع نتيجة عدم التوظيف ومعالجة هذا الملف بشكل كبير.
إنني أرفع ندائي إلى كل الجهات المسؤولة بتبني هذا الملف الصعب الذي أصبح الشغل الشاغل لكل مواطن؛ فهؤلاء فلذات أكبادنا ينتظرون منِّا الوقوف معهم وإيجاد السبل الكفيلة بتحقيق أمنياتهم والأخذ بأيديهم فهم مظلة الوطن وجنوده المخلصين في كل ميادين الحياة.
اليوم ومع معدلات الباحثين وتزايد أعداد الوافدين واستحواذهم على الوظائف بنسبة تفوق أبناء الوطن وبالأرقام المعلنة، يجب أن نشد الهمم نحو توظيف شباب وأبناء عمان وإيجاد البيئة المناسبة لاستيعاب الجميع.
كل عام وعمان بخير وهي تعيش أفراح الحادي عشر من يناير المجيد وقد تحققت آمال الخير على يد قائد ملهم يقود سفينة الأمل نحو خير ورفاهية شعبه وأمته.
حفظ الله عُمان وسلطانها وشعبها وأدام عليهم نعمة الأمن والأمان والاستقرار.
** عضو مجلس إدارة جمعية الصحفيين العمانية