رضيت أو لم ترض!

 

 

صاحب السمو السيد/ نمير بن سالم آل سعيد

 

رضيت أم لم ترض، أحبطت نفسيتك أم لم تحبطها، تضايقت أم لم تتضايق، تشاءمت أم لم تتشاءم، اكتأبت أو لم تكتئب، انعزلت أو لم تنعزل، عبأت نفسك بالكراهية والغضب أو ملأتها بالمحبة والهدوء والسكينة؛ فالوقت سائر إلى الأمام لا ينظر إلى ظروفك إذا تعسرت، أو مُعاناتك إذا عانيت، أو حالتك النفسية إذا ساءت، والآخرون ليس لديهم الوقت للتعاطف معك كما تُريد أو الشعور بظروفك كما تشعر مهما ادعوا.

سرعان ما يتَّجه تفكيرهم إلى أمورهم، وينسون حالتك، فلديهم ما يشغلهم غيرك، وتبقى أنت الوحيد الذي تتعايش مع ذاتك في كل وقت وآنٍ، ولذا أنت الوحيد الذي يجب أن يهتم بك ويعتني بحياتك ولا أحد غيرك. عندما قبلت أن تستمر في الحياة فلابُد أن تقبل كل ما يحدث فيها من مُتغيرات، وهذه هي الحياة بما فيها من أحداث. وغدًا يوم آخر لا يعترف بالبؤساء والمُحبَطين الذين يرون الحياة بمنظور ضيق من التعاسة البائسة المتشائمة، ويضغطون على أنفسهم عصبيًا ويهاجمون دواخلهم نفسيًا لما حصل خارجها من تأثيرات أصابتهم بسبب شخص معين أو وضع معين أو ظروف معينة صعبة.

وجزء كبير من أحداثها لا يسير وفق هواك كما ينبغي، وقد تشعر بأن ما أصابك سيئ، وقد يكون ظلمًا تعرضت له، أو مرضا أصابك، أو مالا خسرته، أو وظيفة فقدتها أو فرصة أضعتها...

ولا جدوى من الأسف على نفسك والغضب والكراهية على من تظنه السبب في وضعك أو من تعتقده كان المصدر لمشاكلك، ولا ينفع السخط على الأقدار أو الحياة كلها بما فيها؛ فذلك لا يجلب إلا المزيد من المرض والإحباط والاكتئاب والضياع.

أنت لا تستطيع أن تفعل شيئًا، فمن الأفضل في هذه الحالة تهدئة النفس وطمأنة الروح بأن كل شيء سيكون على ما يرام في قادم الأيام والرضا بما قسم الله دائمًا وأبدًا.

هناك قاعدة تقول إنَّ 90% من الحياة تتشكل من خلال ردود أفعالنا، و10% فقط من خلال ما يحدث لنا!

هذا يعني أننا لا نستطيع أن نسيطر على الأحداث القدرية حولنا إذا حدثت وإنما نحن من نقرر كيف يكون تأثيرها على نفسياتنا وماذا نفعل لنرفع من ذواتنا. فعلى سبيل المثال، خسرت وظيفتك أو لم تجد وظيفة، فلماذا الانزعاج والقلق والأرق والكراهية والانعزال؟ اترك السلبيات عنك ووظِّف طاقتك لتجد وظيفة جديدة؛ فأبواب الرزق مفتوحة ولا تقف جامدًا. وعليك بالإكثار من قول "أوكلت أمري لله ونعم الوكيل، والحمدلله على كل حال". وخذ نفسًا عميقًا لتجد مشاكلك تخف ونفسيتك تهدأ وتتعافى، وهو ما سيُعزز مشاعر الرضا والقبول لديك، بعد الإنكار والحزن، وهذا الحزن طبيعي أن يأتي إلى مشاعرك على أن تجعله يَعبُر كسحابة صيف تغادرك، ثم امضِ مُطمئنًا لا تهتم ولا تكثرث، وكن صلبًا على الأيام، مقتدرًا ثابتًا ولا تيأس أو تَبتَئِس، ولا تجعل الأحداث تكسرك، فلن تستطيع إذا انكسرت أن تلُم شتاتك. واجعل أفكارك عونًا لك، لا هزيمة وخذلاناً عليك؛ فأفكارك هي التي تُشقيك أو تُسعِدُك وليست العوامل الخارجية المتغيرة، ودع إيمانك بالله كبيرًا في حياتك؛ فهو وقودك ومُحرِكك. وعند وقوعك في مشكلة، لا تتجمد وانظر إلى خياراتك المتوفرة، ما هي خياراتك؟!

وإذا كان حل المشكلة موجودًا، فلا داعي للقلق، لأنَّ مشكلتك ستُفرج إن شاء الله. وإذا لم يكن هناك حل فلا داعي للقلق أيضًا؛ لأنه لا سيطرة لك أو تحكم على مجريات الأمور؛ فالمشكلة أكبر منك، فأهدأ وسلم أمرك لله؛ فأمر الله هو الحاكم.

هذه حياتك الوحيدة التي لديك، لا يوجد غيرها، فلا تُضِعها، ولا تنتظر من أحد أن يأتي بالاطمئنان لك، اصنع الاطمئنان لنفسك وحقق سعادتك في الظروف التي أنت بها، من خلال المعطيات المتوفرة لديك؛ فالسعادة بسيطة مُستطاعة المنال بالهدوء والرضا وطيبة القلب، وتسليم الأمر لله، وأنت في خير لا تعلمه ولا تدرك مداه بنعم الله التي لا تعد ولاتحصى.

يقول النبي صلى الله عليه وسلم "من أصبح منكم آمنًا في سربه، معافى في بدنه، عنده قوت يومه، فقد حيزت له الدنيا وما فيها".

أما إذا كانت النفس لا تهدأ، والروح متشائمة لا تصفو، والروح متعبة لا تعرف القناعة والرضا والاستمتاع بالموجود، فستصبح الحياة لا تطاق، بسخطٍ وكراهية وصراع ذاتي يؤدي بصاحبه إلى الشقاء الدائم وبئس المصير.