جزيرة دهلك الساحلية

 

حمد الناصري

 

دهلك جزيرة تقع في البحر الأحمر وتتبع دولة إرتيريا، ولطالما عرفت أنها المكان الآمن، وكانت مثار سباق للفوز بحق الاستغلال بين الدول الواقعة على ضفاف البحر الأحمر، دول الاحتلال الإسرائيلي، والسعودية، وإريتريا، واليمن، ومصر.

وفي الآونة الأخيرة أثيرت حولها بعض المخاوف عربية وإقليمية، حول احتوائها على قاعدة إسرائيلية حينًا وقواعد إيرانية حينًا آخر، والجزيرة واقعة قبالة ساحل إريتريا وأيضًا ساحل اليمن، وتتميز بتاريخ قديم، فقد تمّ استخدامها كمعسكر للتعذيب أيام الاحتلال الإيطالي والأثيوبي. وهي تقع ضمن أرخبيل البحر الأحمر قرب ميناء مصوّع أو مدينة باضع، وللجزيرة تاريخ بحري عريق؛ إذ كانت من الموانئ المهمة في القرن الأفريقي خلال القرون الوسطى، فقد تسابقت دول كبرى آنذاك للسيطرة عليها، كمصر والدولة العثمانية وإيطاليا وبريطانيا وأثيوبيا، حتى نالت إريتيريا استقلالها 1991، ويبلغ سكان دهلك حسب تعداد 2004 قرابة 36700 نسمة. ومساحتها حوالي 700 كم مربع.

يذكر بعض المؤرخين أنّ بني أمية هم أوّل من استخدم الجزيرة كمنفى لمعارضيهم، ثم ما لبثت أنْ تحوّلت إلى معتقل كبير يمارس فيه مختلف أنواع التعذيب للمناوئين والمخالفين سياسيًا، لكل من تعاقب على حكم المنطقة، نظرًا لطبيعتها الجغرافية والمناخية القاسية ولعزلتها عن اليابسة. ولم تزل آثارها التاريخية شاهدة على تعاقب الممالك وسيطرة الدول المختلفة إلى اليوم.

ومن ناحية عسكرية واستراتيجية، تعد القاعدة الإسرائيلية فيها أقرب وأهم المناطق التي يفترض أنْ تكون مستهدفة من قبل جماعة أنصار الله في اليمن، لكنهم كما يبدو قد تغافلوا عنها وحاولوا إصابة أهداف تبعد مسافة عشرة أضعاف المسافة إلى القاعدة الإسرائيلية في دهلك! وهي بكل تأكيد أقرب من "إيلات" على الأقل بألفي كيلومتر. وتمتاز الجزيرة بموقع استراتيجي كبير لوقوعها في مضيق باب المندب الذي تسيطر عليه اليمن وقريب من خطوط الملاحة البحرية الرئيسية في البحر الأحمر.

اتخذت إسرائيل من الجزيرة مركزًا للرصد بحجة المراقبة في البحر الأحمر ومراقبة دول إقليمية وتأمين حركة الملاحة وعبور ناقلات النفط بسلام، وبذلك انتزعت إسرائيل الجزيرة من إريتريا بالمكر والخبث والدهاء، والجزيرة لا تبعد عن ساحل إريتريا سوى 43 كم، كما إنها ليست ببعيد عن جزر حنيش اليمينة.

وأقامت بها إسرائيل محطة لتشغيل الغواصات الإسرائيلية المزودة بالصواريخ النووية التي تقوم بمراقبة حركة الملاحة عند مضيق باب المندب جنوب البحر الأحمر.. كما إنه كان لدى روسيا أيضًا قاعدة بحرية في الجزيرة كانت تستخدم للسيطرة على المنفذ الاهم للبحر الأحمر، قبل خروجها منها في بداية التسعينيات من القرن الماضي.

ومن الحقائق المؤسفة أنّ في جزيرة دهلك قاعدة إسرائيلية بموجب اتفاقية مع إريتيريا، طالما استخدمتها إسرائيل لتأمين الدعم اللوجستي والإمدادات للدولة العِبْرية، وذلك مِما مكنها أيضًا من احتلال جزيرة "حنيش" اليمينة، عام 1996م، وقد ازداد نشاط واهتمام الصهاينة الإسرائيليين بمنطقة البحر الأحمر، بعد اتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل، وقامت مصر خلال حرب أكتوبر 1973 بغلق قناة السويس في وجه السفن الإسرائيلية، مِما أقلق الجانب الإسرائيلي على مستقبل الإمدادات التجارية؛ إذ طبّقت مصر آنذاك الحصار الاقتصادي على إسرائيل. لذلك سَعت إسرائيل لإيجاد بدائل بحرية أخرى، فقامت بالتغلغل في منطقة البحر الأحمر، ووجدت ضالتها في جزيرة دهلك الإريتيرية، وكانت أهم المنافذ البحرية لإقامة قواعدها العسكرية خارج حدودها، وتحقيقاً لأطْماعها في مَوطئ قدم على البحر الأحمر، فكانت اتفاقية استئجار جزيرتي "حالب وفاطمة" من الرئيس الإريتيري إسياس أفورقي؛ لتكون إسرائيل القوة المسيطرة على منفذي البحر الأحمر، حين حصلت أيضًا على جزيرتي سنتيان وديميرا، الواقعتين على مضيق باب المندب الاستراتيجي.

خلاصة القول.. لإسرائيل قاعدة في مضيق باب المندب وهي لا تبعد عن السواحل اليمنية كثيرًا وتهدّد دول المنطقة واليمن من ضِمْنها. لذا فإنّ توجيه الصواريخ والمسَيّرات إلى القاعدة الإسرائيلية في دهلك يحرر المنطقة من النفوذ الإسرائيلي، ويقلل المجازفة بقصف مناطق بعيدة وفي نفس الوقت يدعم القضية الفلسطينية بشكل فعّال.

تعليق عبر الفيس بوك