العام الجديد.. والنصر القريب

 

منى بنت حمد البلوشية

ما أسرع الأعوام والسنين التي تمر، وكأنها تأخذ أعمارنا معها تُمسكها بيديها، وكأنها تتجول بين الأروقة والممرات يمنة ويسرى، لكن أين تذهب بها وهي هكذا مسرعة؟! إنها حكمة إلهية وربانية لتكون هكذا، فكل ما علينا هو أن نتداركها قبل أن تُدركنا.

ربما العام الذي رحل ليس كسابقه، وأيضا أحرفي تغيرت في كتابتي للعام الجديد، هنا لا أود أن أقول كل عام وأنتم بخير فهذا عيد من أعيادنا نحن المسلمين وإنما عام من أعمارنا يتحرك ومن أعمالنا.

رغم كل الإنجازات التي حققناها وما زلنا نحققها، والإخفاقات التي حدثت ونحن نخطط لها منذ مدة طويلة لأن تكون واقعًا، وها نحن الآن نعيد ترتيبها وأفكارها، وتارة نتركها هكذا معلقة بعدما بذلنا لها كل ما بوسعنا وما يمكن بذله وكأنها ليست لنا، وكل الرضا بما يحدث هو الأهم ودائمًا نردد لعله خيرًا لنا، فالحمدلله على كل ما حدث تحقق أم لم يتحقق فقط على كل منَّا النهوض من جديد والنظر للحياة بتفكير واقعي والرضا؛ بما يكتبه الله لنا.

العام الذي رحل لم يكن عامًا عاديًا بالنسبة لنا جميعا وغزة جريحة وتحت القصف، كيف لنا أن نُظهر إنجازاتنا ونتحدث عنها أمام الملأ وغزة تنزف بالجرحى والشهداء يتساقطون بالآلآف ونحن نشاهدهم ولا نستطيع فعل شيء، ما أقسى الفقد الذي حدث ويحدث إنه عام ثقيل بمعنى الكلمة التي ننطقها وتحمل بين طياتها الكثير من العِبر والمواعظ الواجب علينا أن نتعلمها، العام الذي مضى كان عامًا مليئا بالصمود والصبر وبشتى أنواع الفقد، مليء بالبكاء الذي جعل قلوبنا تبكي قبل أعيينا. فماذا علمتنا غزة العزة طوال ما حدث لها ابتداء من طوفان الأقصى وبأحداث 7 أكتوبر المبارك لدحض الاستعمار وحرب تحرير يخوضها أحرار المقاومة الشرفاء تطهيرًا لأرضهم الشريفة.

اليوم أصبحنا غير الأمس؛ لأنَّ غزة علمتنا الكثير، رغم كل ما فقدوه من أبناء وآباء وأمهات وبتر لأجزاء من أجسادهم من تلك الغارات التي شنها عليهم العدو المحتل، وقتل لأحلامهم وطموحاتهم إلا أنهم باقون مرابطون متمسكون بأرضهم؛ لأنها الأغلى على وجه هذا العالم، رغم نزوحهم إلى المناطق الجنوبية، إلّا أنهم ممسكون بتراب وطنهم الحبيب غير آبهين بما يحدث لهم، محتفظين بمفاتيح بيوتهم حتى وإن هُجمت فستبقى مكانها يعودون لها، نعم لأجله يهون كل الصعاب والتحديات، والوقوف في وجه العدو المحتل الجاثم على أرضهم.

كيف سأخاطبك أيها العام الميلادي الجديد سوى أنك ستكون غير السنوات السابقة، وعسى أن تكون عاماً يُغاث فيه الناس بفرح التحرير والنصر الآتي لغزة وسائر فلسطين، ولن تكون كل سنواتنا عجافاً بل هناك نصر وفتح قريب بإذنه تعالى، وإنني لأجدني باستحياء إن تحدثت عن نفسي وإنجازاتي وما زال الفقد كل يوم في غزة، ما أروع ذلك الصمود الذي شاهدته في وائل الدحدوح صاحب الكلمة والجبل الشامخ وهو يفقد أغلى ما لديه في دنياه من أسرته وبعدها فقده لزميله وموثق الصورة سامر أبودقة واستشهاده وهو ينقل الصورة لنا ويفضح أعمال الصهاينة اليهود ليشاهدها العالم، إلّا أن الصحفي وائل الدحدوح ورغم إصابته الشديدة وعدم تمكنه من الوقوف أمام شاشة التلفاز ويده اليمنى مُثقلة ومُتعبة لا تستطيع الإمساك بالمايكرفون، فاستبدلها باليسار لتكون كلمته تصدح بالحق حتى آخر رمق له دفاعًا عن وطنه العزيز ولا يعيقه شيء، المشاهد كثيرة والكلمات أكثر وصبر تلك الأم ومُر فقدها وهي ثكلى وفاقدة حتى زوجها، ما أروعه من صبر وكفاح، لن أستطيع أن أحكي مشاهد الفقد والألم وكل تلك الطفولة التي سُلبت منها الحياة والعيش ما أقساه من فقد.

واستفتحت المقاومة في أول ليلة من ليالي العام الميلادي الجديد من غزة على تل أبيب والمقاومة بوابل من الصواريخ ردًا على الصهاينة اليهود، وكأنَّ لسان حالهم يقول: إننا نستطيع ولن نترك الوطن ودماء الشهداء تذهب هباء، بينما كانوا يحتفلون بالرقص وعلى أصوات الموسيقى هنا تسجيل قوي لدخول العام الميلادي الجديد بدرجة امتيازللمقاومة، وهذا ليس بغريب عليهم فلا مستحيل، وسيُغاث القلب بما يتمنى وسيعتصرون الفرح والتحرير بأيدهم بإذن الله تعالى وسيتحقق بعونه عزوجل قوله "فَرِحِينَ بِمَآ ءَاتَىٰهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ".

وكل أحداثنا وإنجازتنا سنوثقها قريبًا بالنصر والفتح القريب لغزة وسائر فلسطين "ألا إِنَّ نَصْرَ الله قَرِيبٌ" إنه النصر والعزة لغزة العزة ولأحلام أبنائهم التي رسوموها ولأحلامنا ولأحلامكم ولكل طموحاتهم ونحن معهم، ولكلمة الحق التي ستنتصر لا محالة، وعام ميلادي بلا أحزان وآلآم وبلا فقد، وإن الله على كل شيء قدير.

تعليق عبر الفيس بوك