الصداقة التي لا تموت

 

حمد الحضرمي **

تسهم الصداقة بدور مهم في حياة الناس، لما للصديق من أهمية بالغة في علاقته ومواقفه مع أصدقائه، فالمرء قليل بنفسه كثير بإخوانه، فإخوان الصدق زينة في الرخاء وعصمة في نوائب الحياة، ورؤيتهم تفرح القلب وتزيل الهم، وبهم تذلل الصعاب وتخفف المشاق وتهون الشدائد. والإنسان في كل مراحل حياته تكون الألفة مطلبًا ملازمًا له ليعيش في سعادة وسرور، فيتخذ أخًا له صديقًا يشاركه أفراحه وأحزانه، فالصديق الصالح له أكبر الأثر في التأثير على صديقه في الالتزام بالطاعات وترك المعصيات، والوقوف بجانبه وقت العثرات، وجبر كسره وقت الإنكسار، والدفاع عنه في غيابه.

ويقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث: "عليكم بإخوان الصفاء، فإنهم زينة في الرخاء وعصمة في البلاء". ولذلك حثَّ الإسلام على الصداقة النقية ورغب المؤمنين في إخلاصها لله وإبقائها لوجهه، وجعل لها الأجر والفضل العظيم، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث القدسي: "قال الله عز وجل: المتحابون بجلالي في ظل عرشي، يوم لا ظل إلا ظلي". فالصداقة كانت وما زالت سببًا لجلاء الأحزان، وعونًا وقت المحن والشدائد، والصديق تجده دائمًا منك قريب، يشعر بهمومك وقلقك ومخاوفك، لأنه بك متجانس متألف، فبالتجانس الأرواح متعارفة، وبفقد التجانس الأرواح متناكرة، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث: "الأرواح جنود مجندة، فما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف" وقيل في منثور الحكم: "الأضداد لا تتفق، والأشكال لا تفترق".

الصداقة أولها التجانس بين شخصين، ثم المواصلة لوجود توافق بينهما، ويأتي بعدها الانبساط، ويحدث بعدها المصافاة لخلوص النية بينهما، ومن هذه المصافاة تنتج الثقة التي توصل إلى المودة، ومن المودة تكون المحبة، وقد قيل: "الصديق إنسان هو أنت إلا أنه غيرك". فما أعظمها من صداقة عندما تكون صادقة، تجمع بينهما الألفة والمحبة والعمل الصالح، وفي الحديث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن من عباد الله ناسًا ما هم بأنبياء ولا شهداء، يغبطهم الأنبياء والشهداء يوم القيامة بمكانهم من الله"، قالوا: يا رسول الله، فأخبرنا من هم: قال: "هم قوم تحابوا بروح الله، على غير أرحام بينهم، ولا أموال يتعاطونها، فوالله إن وجوههم لنور، وإنهم لعلى نور، لا يخافون إذا خاف الناس، ولا يحزنون إذا حزن الناس".

وإذا وفقك الله بوجود صديق أمين، صاحب دين متين، ورأي سديد، وقلب رحيم، وأخلاق كريمة، ومواقف نبيلة، فحافظ عليه وعمِّق علاقتك به؛ لأنه سيكون لك السند والعزوة في المصائب، وركنًا حصينًا في الشدائد، والمؤنس عند الهموم والكروب، وسيكون معك في الحلوة والمرة، ولن يؤذيك، ولن يجرحك، ولن يضايقك، ولن يظلمك، فلا تصاحب إلا مؤمنًا صديقًا لك محبًا، كي تعيش طوال حياتك في سعادة وسرور وأمن وأمان وسلام. وحتى تدوم الصداق يتوجب أن تكون على قاعدة صلبة من المبادئ والقيم والأخلاق، والحرص على الاحترام والتقدير والاعتناء والاهتمام بأمور الصديق، والحرص عليه في غيابه وحضوره، والإخلاص في المودة والنصح للصديق في الخطأ والزلة، ومساعدته ومواساته في أشجانه وأحزانه، والحرص على ذكر محاسنه، ونشر فضائله، والعفو عن زلاته وستر هفواته وحفظ أسراره، وتفقد أحواله.

ومن أعظم دواعي بقاء الصداقة، أن تكون هذه المبادئ والقيم والأخلاق متبادلة بين الصديقين بلا تكلف ولا تصنع، كلها ألفة وصفاء وود ووئام ومحبة وسلام، حتى تدوم الصداقة وتزداد بينهما الألفة والمحبة. وصدق الشاعر أبو العتاهية عندما قال:

صديقي من يقاسمني همومي // ويرمي بالعداوة من رماني

ويحفظني إذا ما غبت عنه // وأرجوه لنائبة الزمان

ونصيحتي إلى الأبناء والبنات الطلبة منهم والطالبات في المدارس والكليات والجامعات والموظفين والموظفات، الحرص كل الحرص على اختيار الصديق المناسب، لأن الصديق يؤثر على صديقه تأثيرًا كبيرًا في الإصلاح أو الإفساد ويقال: الصاحب ساحب وخاصة في سن المراهقة، حيث يكون الشاب قد اختلط بالزملاء في الحارة والمدرسة والنادي، فاختيار الرفقة الصالحة والابتعاد عن قرناء السوء، حتى لا يخسر نفسه وتخسره أسرته ومجتمعه، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: "المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل".

فعليكم أيها الشباب والشابات اختيار الأصدقاء الصالحين، أصحاب الخلق الكريم، والأدب الرفيع، والعادات الفاضلة، أصحاب العقول الكبيرة والنفوس السليمة، وتجنب أصحاب العقول الصغيرة والنفوس المريضة، وخلطاء الشر ورفقاء السوء، حتى لا تقعوا في شباك ضلالهم وانحرافهم، وقد بينت الكثير من الدراسات أن معظم مرتكبي الجرائم والانحرافات يرتبطون بأصدقاء سوء منحرفين، وتكون النتيجة وقوع الشباب من الجنسين في المشاكل والجرائم، كتعاطي الخمور والمخدرات، والانحرافات الأخلاقية بشتى أنواعها وأشكالها، أم الصديق الصالح فهو كالشمعة ينير دربك بالصدق والوفاء، ويمنحك والثقة والطمأنينة.

ولأننا في زمن صعب كثر فيه الكذب والنفاق والمكر والخداع والتضليل والنصب والتحايل وأصحاب المصالح الشخصية، وأصحاب الأهواء والاغواء، فتجنبوا هؤلاء وابتعدوا عن مصاحبة الأحمق فمصاحبته كمصاحبة الأفعى، لا تدري متى تؤذيك، وتجنبوا مصاحبة من تصدأ عقله وقلبه بفكر أو ثقافة أو فن بعيدًا كل البعد عن مبادئنا وقيمنا وأخلاقنا الإسلامية الحميدة. وكونوا على حذر وفي يقظة ودراية، وبثقة عالية بأنفسكم، لأنكم أصحاب عزة وكرامة، فلا تصاحبوا إلا الأخيار المتقين، لأن مثل هذه الصداقة هي التي لا تموت.

** محامٍ ومستشار قانوني