طلبات المدارس

 

محمد بن حمد البادي

mohd.albadi1@moe.om

لم يتبق على نهاية الفصل الدراسي الأول سوى أيام معدودات يقضي فيها الطلبة امتحاناتهم، ومن خلال هذا المقال؛ نثمِّن ونقدر الجهود التي تُبذل في مدارسنا في سبيل تحقيق الأهداف السامية للعملية التربوية والتعليمية، كما نوجه تحية شكر وتقدير لتلك المدارس التي لم ترهق كاهل أولياء الأمور بطلبات للمشاريع أو الواجبات، أو لم تفرض عليهم شراء ملابس خاصة لأبنائهم من أجل الاحتفال بمناسبة معينة، أو طلبات أخرى ما أنزل الله بها من سلطان.

إنَّ التعاميم والقرارات والتوصيات والتنبيهات الصادرة من وزارة التربية والتعليم تشير بوضوح تامٍ إلى ضرورة عدم تكليف طلبة المدارس بطلبات ترهق كاهل الأسرة ماديًا، إلا أن بعض المدارس لا زالت لا تلقي لذلك بالًا وكأنهم لا يعرفون أحوال المجتمع؛ يعللون ذلك بأن طلبات المدارس اختياريه؛ ولكنها في الواقع ملزمة على جميع الطلبة، حيث أن ولي الأمرـ مهما كان مستواه المادي، ومهما بلغت به الحاجةـ لا يرغب أن يظهر ابنه/ ابنته بصورة فيها احساس بالنقص أمام أقرانه.

معظم مدارسنا- ولله الحمد- مُراعية للأحوال المعيشية للناس، ولا ترهق كاهل الأسرة بالطلبات المكلفة، ولكن في المقابل نجد بعض المدارس تطلب تارةً ـ على سبيل المثال لا الحصر: مشاريع للمواد الدراسية، وتطلب تارةً أخرى أزياءً خاصة للاحتفال بالعيد الوطني، أو أزياء رياضية خاصة لليوم الرياضي "شوية رياضة"؛ أو أزياء خاصة لحفلة التخرج التي ستقيمها المدرسة في نهاية العام الدراسي، أو أي مناسبات أخرى. هؤلاء حريُّ بهم أن يدركوا أن بعض الأسر عاجزة تمامًا عن مجرد توفير الزي المدرسي الأساسي لأبنائها، عاجزة عن توفير الحقيبة المدرسية والقرطاسيات والأدوات المكتبية البسيطة لأبنائها، وللتأكد من ذلك يمكنكم الرجوع لسجلات الفرق الخيرية في الولايات لتعرفوا مدى معاناة بعض الأسر، أسألوا معرّفو  الفرق الخيرية عن مدى معاناة رب الأسرة لتوفير قوت يوم واحد لأسرته.

بعض الأسر تعاني ماديًا إلى حدٍّ لا يُمكن تخيله، ولكنهم متعففون لا يسألون الناس إلحافًا، ولا يعلم بحالهم إلّا الله؛ تمُرُّ عليهم أيامٌ وليالٍ لا يوجد في البيت أي شيء مما يمكن أن يُطلق عليه اسم طعام، لا قليل ولا كثير. والأسر الأحسن حالًا من هؤلاء، يصل بها الحال لأن يأكل أفرادها وجبة واحدة فقط في اليوم، وهي بالتأكيد ليس من تلك الوجبات الفاخرة؛ بل لسد رمق الجوع فقط.

لك أن تتخيل الوضع المعيشي لأسرة معيلها الوحيد- الأب- يستلم راتبًا تقاعديًا ضعيفًا، أو من ذوي الدخل المحدود أو من فئة الضمان الاجتماعي، أو مُسرَّح من العمل، والبيت مستأجَر، وفواتير الكهرباء والماء متراكمة، لم تُدفَع لعدة أشهر؛ ولديه التزامات مالية لأحد البنوك. مثل هذه الحالات تجدها عاجزة عن مجرد توفير المستلزمات المدرسية الأساسية، لولا المساعدات البسيطة المقدمة من الفريق الخيري أو بما يجود به أصحاب الأيادي البيضاء، وعندما يأتي الأبناء من المدرسة كل واحد بطلبه؛ هذا مطلوب عليه- مثلًا- مشروع لمادة المهارات الموسيقية؛ وآخر مطلوب عليه دفتر بمواصفات معينة؛ وآخر مطلوب عليه إحضار أدوات لإجراء تجربة في مادة العلوم، وآخر مطلوب عليه زي رياضي بلون معين لحصة الرياضة؛ وبعد يومين أو ثلاثة يتكرر نفس السيناريو؛ وولي الأمر أساسًا لا يملك المصروف المدرسي اليومي لأبنائه، فمن أين عساه أن يجد قيمة هذه الطلبات؟

إن مجرد اقتراب موعد بداية العام الدراسي يجعل رب الأسرة يعيش في كابوس مخيف، لأنه على يقين تام أنه غير قادر على توفير ما يحفظ به ماء وجوه أبنائه أمام أقرانهم في المدرسة.

وبعض الطلبات التي تفرضها بعض المدارس على الطلبة لا تخدم العملية التعليمية؛ بل إن أثرها السلبي أكثر من نفعها، ولا تعد قيمة مضافة لتعليم الطالب، ولا تتوافق مع القيم التربوية التي من الأولى أن نغرسها في نفوس أبنائنا الطلبة.

إن الأنشطة التربوية في المدارس يجب أن تدعم شخصية الطالب من النواحي المعرفية والسلوكية والوجدانية، فإن هي راعت ذلك تحققت الأهداف التي وضعت من أجلها، وإلا فإن نتائجها تكون دائمًا عكسية. ولو أجرينا استطلاعَ رأيٍ لأولياء الأمور حول طلبات المدارس لكانت النتيجة صادمة؛ لأن الغالبية منهم يرون أنها مرهقة لكاهل الأسرة، وأن هذه الطلبات التي ما أنزل الله بها من سلطان إنما تأتي  من باب الدعاية الاعلامية للمدارس، وتصوير المدرسة على أنها الأفضل مقارنةً بنظيراتها، وهذا كله على حساب الطالب وولي أمره.

إنَّ من أسمى الأهداف التربوية غرس شعور المساواة بين الناس؛ الكل سواسية لا فرق بين غني وفقير، فليس الكل قادر على توفير هذه الطلبات الزائدة عن الحاجة؛ لذلك يجب أن نقلل من الطلبات المرهقة لكاهل الأسرة، وأن نراعي الأحوال المادية للناس، وأن نُركِّز على المشاريع الهادفة، والأنشطة البسيطة غير المكلفة ماديًا.