"حارس الرخاء" في البحر الأحمر!

 

علي بن مسعود المعشني

ali95312606@gmail.com

التحالف البحري في البحر الأحمر، أو ما أُطلق عليه عملية "حارس الرخاء"، بقصد حماية الملاحة والسفن العابرة في البحر الأحمر، وكما أشاعت أمريكا، هو تحالف وُلِدَ ميتًا بحق، فقد تعثّر في عضويته، وتلكأ وتردد من انضم له في ذكر اسمه وإعلانه؛ الأمر الذي دفع بوزير الدفاع الأمريكي إلى التصريح بأن لكل دولة مشاركة بالحلف الحق في الإعلان عن مشاركتها أو إخفاء ذلك.

هذه الرتوش والجزئيات لا تعني شيئًا مُقابل امتناع دول فاعلة في المنطقة مثل المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة من المشاركة فيه، ثم إعلان بعضها الانسحاب منه قبل انطلاق عملياته مثل فرنسا وإسبانيا وإيطاليا! وتلى ذلك تسريبات صحفية أمريكية مفادها أن أمريكا لا تملك القوة الكافية لتنفيذ المهمة ومواجهة المخاطر المرتقبة!!

الواقع يقول إن تحركات صنعاء واضحة ومُحددة ومحصورة في استهداف السفن المملوكة للكيان الصهيوني، بشكل كُلي أو جزئي، والسفن التي تحمل بضائع من وإلى الكيان، وما عدا ذلك فالملاحة والعبور في البحر الأحمر طبيعية وعادية جدًا.

لهذا ظهر عوار التحالف المذكور ووضحت نواياه بأنه تحالف لحماية السفن الصهيونية فقط لا غير، وظهر دور أعضاء التحالف أنهم شركاء للكيان الصهيوني في الدم العربي الفلسطيني بغزة.

بكل تأكيد موقف اليمن من الحرب على غزة هو موقف فطري قبل أن يكون موقفًا سياسيًا. فمن الطبيعي، وكما فزع الغرب للكيان وغيره من أبناء جلدته وثقافته تاريخيًا، أن يفزع اليمن لأبناء فلسطين؛ كواجب شرعي وأخلاقي، كعرب ومسلمين وأشقاء الدم والتراب والتاريخ والمصير.

دعم ومباركة الغرب للصهاينة في تدميرهم وقتلهم المُمنهج لغزة وأهلها، لم يُعرِّيهم أمام حلفائهم العرب فحسب؛ بل عرَّاهم أمام شعوبهم أكثر، وبيَّن زيف ما يتشدقون به من حريات وديمقراطية وحقوق إنسان لعقود خلت. وهذا الانكشاف الغربي بدأ مع الأزمة الأوكرانية، وتُوِّجت فصوله ومفرداته وتجلياته في غزة.

أمريكا، ليس مشهود لها بالبراعة في إنتاج الفشل وتجربة المُجرب حتى تفشل؛ بل مشهود لها بفن صناعة الأعداء الحقيقيين لها، ومنحهم كل المبررات والأسباب والدوافع للقوة ومواجهتها بها لاحقًا.

إيران الحليف المثالي السابق لأمريكا- كمثال- لم تستوعب أمريكا التحولات الجذرية الكُبرى التي أحدثتها الثورة عام 1979 داخليًا وإقليميًا ودوليًا، فتعاملت معها كـ"انقلاب عسكري" أو حراك سياسي محدود الأهداف والأثر؛ الأمر الذي جعل من إيران الثورة- وكردة فعل طبيعية- عدوًا كاملًا لأمريكا، وتتلمس لنفسها كل أسباب القوة السياسية والعسكرية والاقتصادية لمواجهة المخطط الأمريكي الشامل لزوال الثورة والإجهاز عليها؛ فأصبحت إيران اليوم قوة عسكرية وسياسية واقتصادية هائلة ومُهابة في المنطقة والعالم.

كان يمكن لأمريكا احترام إرادة الشعب الايراني في اختيار من يحكمه وكيف يحكمه، واعتبار ما حدث شأنًا داخليًا، وبهذا تحتفظ أمريكا لنفسها بما يشفع لها لرسم علاقات جديدة مع إيران الثورة، بالرهان على عنصري الزمن والمتغيرات، ولكن أمريكا كقوة بلا عقل، وكما عُرف عنها، توظِّف القوة بلا عقل وبلا رُشد فتفقد الاثنين معًا.

تُكرر أمريكا ذات النهج والسياسات مع اليمن اليوم؛ حيث أهدت جماعة أنصار الله نصرًا كبيرًا وبلا حرب، حين أشهرت هذا التحالف، والذي فهمه القاصي والداني منذ لحظة ولادته، وبالنتيجة، أن الانصار كسبوا تعاطف وتأييد شرائح واسعة من الشعب اليمني؛ حيث أصبح الخيار عقاب اليمن على نُصرة غزة وأهلها.

قبل اللقاء.. تبقى خطيئة أمريكا الكبرى في اليمن، هي مماطلتها في مراحل الهدنة؛ الأمر الذي كلّفها اليوم أثمانًا باهظة جدًا للعودة إلى المربع الأول للهدنة والسيطرة على شيء في اليمن.

وبالشكر تدوم النعم.

الأكثر قراءة