عبدالعزيز البابطين.. الإنسان الشاعر

 

علي بن مسعود المعشني

ali95312606@gmail.com

ولد عبد العزيز سعود البابطين عام 1936م بدولة الكويت، وكان منذ طفولته لديه اهتمام واسع بالثقافة والأدب والشعر العربي تأثرًا بوالده وأخيه اللذين كان لهما دور كبير في تعزيز حبه واهتمامه بالأدب، شاعر ومن رجال الأعمال المعروفين في الكويت وله نشاط تجاري وصناعي بارز في أوروبا وأمريكا والصين، والشرق الأوسط، وله استثمارات متنوعة في عدد من الدول العربية.

أسس عام 1974م بعثة سعود البابطين للدراسات، والتي ابتعثت طلابًا عربًا ومن جمهوريات إسلامية إلى العديد من الجامعات حول العالم، وقامت بتشييد عدد من المدارس والمراكز التعليمية حول العالم. كما أسس جائزة البابطين للإبداع الشعري والتي كانت حلم حياته الذي تحقق لتكون بصمة في عالم الأدب العربي، فمعجم البابطين للشعراء العرب المعاصرين، يضم 2514 شاعرًا، وطُبع 3 مرات وتحوّل نسخة رقمية بعد ذلك. مثل عبدالعزيز البابطين- رحمه الله- ظاهرة حقيقية في عوالم التجارة والإنسانية والشعر والأدب، بعد أن اكتشف مبكرًا أن الوظيفة الحكومية لن تحقق طموحه وفكره المتقدم، حيث قرر الالتحاق بركب التجار، ومن خلالها تفجرت طاقاته الإبداعية المتعددة، وحقق الكثير مما كان يصبو لتحقيقه في حياته. حقق البابطين إضافة إلى عنايته بالشعر والأدب والتعليم اهتمامًا باللغة العربية كذلك حيث عمل على بسط انتشار اللغة العربية في عدد من الجامعات والبلدان والأقوام من غير الناطقين بها.

كما عمل العديد من دورات التعريب في جمهورية القمر، والتي شملت القضاة والوزراء ومعلمي المرحلة الابتدائية للتعليم المدرسي، في إطار سعيه لتعريب هذا البلد العربي والذي عانى من هيمنة وطغيان لغة وثقافة المستعمر الفرنسي.

لم يكتفِ عبدالعزيز البابطين بشهرته المالية ولا الأدبية ولا الإنسانية كيد بيضاء ممدودة للخير وساعية له، بل سعى لأن يكون سفيرًا للنوايا الحسنة كذلك، وممارسًا بارعًا للدبلوماسية الشعبية. ففي لقاء جمعه بالجزائر مع صديقه الرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة، عتب عليه قطع العلاقات الجزائرية مع إيران، وحين برر له بوتفليقة السبب وأنه كان من طرف سلفه الرئيس الشاذلي بن جديد وليس منه ولسبب قد يبدو موضوعيًا حينها، قرر عبدالعزيز البابطين أن يكون ساعيًا لعودة العلاقات بين البلدين بعد موافقة الرئيس الجزائري واستئذان أميره الشيخ جابر الأحمد، حيث سافر إلى طهران وطلب مُقابلة الرئيس هاشمي رفسنجاني وأوضح له أهمية عودة العلاقات مع الجزائر، وبين له الموقف الإيجابي من قبل الرئيس الجزائري بوتفليقة، وترحيبه بعودة العلاقات ومباركته لمساعيه؛ فعادت العلاقات الدبلوماسية بين البلدين بجهود ومساعي عبدالعزيز البابطين وتفهم قيادتي البلدين.

في إحدى زيارات البابطين للمغرب العربي وتحديدًا للمناطق والمدن الصحراوية بالمملكة المغربية، لاحظ أن الفتيات في مدينة كُلميم يتوقفن عن التحصيل العلمي عند المرحلة الإعدادية العامة، فسأل الأهالي باستغراب عن السبب؟ فقالوا له بأن المرحلة الثانوية للتعليم العام بالمغرب، تكون مختلطة بين الذكور والإناث، وعاداتنا وتقاليدنا تمنعنا من إرسال بناتنا إلى هذه المرحلة. فطلب منهم البابطين المطالبة بمنحهم أرضاً من قبل الحكومة، ثم قام بإنشاء مدرسة ثانوية خاصة للبنات على نفقته الخاصة، وكانت المدرسة الثانوية الأولى في مناطق الصحراء، وبفضلها بلغت بنات الصحراء المراحل الأعلى من التعليم لاحقًا.

خصَّص عبدالعزيز البابطين مبنى جميلًا وشاملًا ليجعل منه ديواناً، حيث اشتهر ديوان البابطين بدولة الكويت وخارجها، بفخامته ومناشطه ومحتوياته ومقتنياته التي تعكس فكر وثقافة واهتمام وشخصية مالكه، وحين حلَّ الغزو بالكويت أصدر الرئيس العراقي صدام حسين أوامره بعدم المساس بديوان البابطين وتأمينه بحراسة لحمايته من النهب والسرقة تقديرًا شخصيًا منه لشخص وجهود البابطين ومحتوى الديوان من نفائس العرب وحضارتهم، وبعد التحرير لم يجد سمو الأمير جابر الأحمد أنسب من ديوان البابطين مقرًا للحكم لحين ترميم وصيانة القصور الأميرية، حيث بقي بديوانية البابطين بضعة شهور يزاول منها الحكم وتسيير شؤون الدولة.

تغمد الله الفقيد عبدالعزيز سعود البابطين، الإنسان والشاعر والتاجر والأديب والمُحسن، وتقبله مع الأصفياء من عباده، فقد رحل الجسد وبقيت السيرة والصيت.

قبل اللقاء.. "لا تقصد الأشخاص الذين يملكون الخير؛ بل أقصد الأشخاص الذين يعرفون الخير".

وبالشكر تدوم النعم.