مؤيد الزعبي
كل المؤشرات الحالية تُشير إلى حتمية واحدة؛ أن شوارعنا ومدننا ستخلو من السيارات بشرية القيادة في قادم السنوات، فهل تخيلت كيف ستصبح الشوارع بلا سائقين بشر؟ وهل سيكون هذا مفيدًا لنا كبشر؟ وكيف سنقضي أوقاتنا داخل سياراتنا؟ أسئلة سوف أحاول أن أتخيل إجاباتها بناء على المعطيات الحالية مع لمسة من الخيال تثري تجربتك عزيزي القارئ.
حسب التوقعات فإنه بحلول 2050 ستمتلئ شوارعنا بالسيارات والشاحنات أو حتى الطائرات ذاتية القيادة، وستكون السيارات القديمة "ما نستعمله حاليًا من سيارات" ستكون تستخدم فقط في الحلبات الخاصة أو لممارسي قيادة السيارات كهواية أو حبًا وشغفًا وليس للأناس العاديين ممن يستخدمون السيارة للتنقل، وسيكون بمقدورك عزيزي القارئ أن تستمتع بسيارتك ذات المحرك البنزين أو الديزل هناك فقط في الحلبات وتسمع صوت هدير المحركات وصرصرة العجلات وأن تمارس قيادة السيارة كرياضتك في نهاية الأسبوع، أما تنقلاتك اليومية فدعها للسيارات الذكية ذاتية القيادة.
لا تستغرب عزيزي القارئ لو وجدت إعلانًا يدعوك لتجربة قيادة شاحنة ضخمة أو سيارة بمحرك 4 سلندر كنوع من المغامرة ضمن جولة ألعاب أو تسلية في إحدى المدن الترفيهية أو حتى يُحسب لمدن مُعينة أنها وجهة لعشاق السيارات الكلاسيكية بشرية القيادة، ويُقطع من أجلها مئات الكيلومترات لعيش هذه التجربة، قد تقول في سرك وما هذا فقد هرمنا من القيادة وليس هناك ما يستدعي لأن تكون القيادة هواية أو تجربة ومغامرة؛ وهذا رأيك وأحترمه ولكن ما هو رأيك لو قلت لك إن هناك جيلًا كاملًا من ملايين البشر سيُولد ويعيش دون أن يجرب هذا الأمر، وسيكون مثيرًا له لو أتيحت له هذه التجربة خصوصًا وأن هناك ملايين المحفزات الحالية من أفلام ومضامير سباق تعج بالملايين لمشاهدة سيارات تتسابق أو سيارات بمحركات كبيرة تتنافس فيما بينها وسيكون الأمر مثيرًا لو كان هذا الأمر عملة نادرة في قادم الوقت.
السؤال الذي يطرح نفسه وأجد من المهم أن نُجيب عليه: هل علينا أن نتعلم السياقة في المستقبل؟ والإجابة من وجهة نظري أنه لا حاجة لذلك؛ فلماذا تتعلم السياقة وهناك سيارات ذاتية القيادة هي من تستخدمها في حياتك اليومية وتعليم السياقة سيكون أيضًا مهارة مكتسبة لمحبي تعلم المهارات أو المغامرين أو محبي الاستكشاف والخوض في تجارب الماضي تمامًا كمن يتعلم التزلج أو القفز بالمظلات في وقتنا الحالي.
وبالعودة لشكل مُدننا وشوارعنا، فستكون منضمة ومنضبطة أكثر من وقتنا الحالي وكأن الشوارع تحولت لسكك قطار وهمية، تتحرك السيارات فيها ضمن مسارات محددة ومدروسة بدقة، ولو تأملت شارعًا سريعًا ستكون أمام صورة رائعة من أخلاقيات الطريق وسلامته فالذكاء الاصطناعي سيقوم بكل ما يلزم لإتقان السياقة أولًا والالتزام بقواعد السير ثانيًا وفهم الشوارع والمسارات والطرق ثالثًا، وهذه الخصائص ستمكننا من إلغاء حوادث الطريق بشكل نهائي، وستتصدر شاشات التلفاز وتتناقل مواقع الإخبار أخبارًا عاجلة عند وقوع أي حادث مروري فحينها سيكون السبب غير عادي وغير متوقع؛ ربما سقوط شجرة من شدة المطر أو انهيار أرضي في إحدى الطرق أو اختراق لأنظمة سيارات معينة أو محاولة لاغتيال إلكتروني بواسطة السيارات لإحدى الشخصيات البارزة.
وبالعودة لتساؤلنا: كيف سنقضي أوقاتنا داخل سياراتنا؟
أتوقع أن تتحول سياراتنا لساحات ومساحات للترفيه والاسترخاء، فيمكن أن تمارس ألعابًا إلكترونية داخل السيارة، أو يكون هذا وقتك المفضل لمشاهدة فيلم مع العائلة والأصدقاء خصوصًا عندما تقرر السفر لمسافات طويلة، أو ربما تحولها لمركز إبداع شخصي تكتب مذكراتك بداخلها أو تعزف الموسيقى أو ترسم لوحاتك الفنية، وربما تتحول لغرف اجتماعات وعمل وستكون السيارات مكانًا مناسبًا لعقد اجتماعات؛ سواءً حضورية أو عن بعد مع الموظفين أو المديرين، وربما تتحول لمكان سري لعقد الصفقات! وليس هناك ما يمنع من أن تتحول السيارات لمكان للاحتفال بمناسباتك السعيدة ولحظاتك المميزة مع شريك الحياة.
بشكل عام أعتقد عزيزي القارئ أن السيارات ذاتية القيادة قادرة على أن تجعل حياتنا أكثر أمانًا وكفاءة وراحة، ويتخلق لنا المزيد من التجارب الحياتية سواء داخل سياراتنا أو حتى هناك في مضامير السباق، وعلى جانب آخر ستتيح للحكومات بأن يتخلصوا من أعباء الطرقات وإدارتها والالتفاف لإيجاد تجارب أكثر جمالًا للمشاة ولركوب الدراجات فجل طاقتنا في تخطيط مدننا يذهب للطرقات ومعالجة مشاكلها مع سلوكيات السائقين البشر، وعندما نتخلص من هذه الأعباء سيكون أمامنًا متسع من الوقت والمال والجهد لنوفره لتجارب بشرية أكثر جمالًا وأمانًا؛ وإلى حينها تذكر عزيزي القارئ أن صوت سيارتك الذي تجده مزعجًا وسلوك السائق البشري الذي يزعج سيكون تجربة مثيرة في المستقبل، فلا تنسْ أن تعيشها اليوم!