وماذا بعد يا أمريكا؟!

 

عائشة بنت أحمد البلوشية

ما الذي تبقى في حوزتك من فنون الوحشية والإجرام لم تخرجيه من الصندوق بعد؟!

تجردت من الإنسانية، وتملصت من الكرامة، وتبرأت من العقلانية، ونزعت عن وجهك قناع الصداقة، ووقفت ضد العالم بأكمله ترفعين يد "الفيتو" الملوثة بدماء أطفال فلسطين ونسائها وشيوخها، هذه اليد التي أثبتت تعطشها للمزيد والمزيد من القتل والتنكيل والعدوانية، لتقف البشرية اليوم مشدوهة أمام هذا التنصل الصارخ منك لكل مبدأ وعرف إنساني.

وماذا بعد يا أمريكا؟!

ففي فترة قياسية من عمر الزمان دمرت كل الجهود المضنية التي بذلها الغرب برمته، واجتهدت حكومتك باستمرار لزرع صورة الغرب الجميلة، وأياديه الممدودة بالصداقة على مدى الثمانية عقود الماضية، بل الأدهى أنك التي تدعين حرية الرأي، بت تمارسين تكميم أفواه شعبك على أرضك عن التعبير بحرية عن آرائهم، وأصبحنا نرى أعضاء الكونجرس يصرخون على رؤساء الجامعات وكأنهم يوبخون طفلا مخطئا بحجة "معاداة السامية".

وماذا بعد يا أمريكا؟!

خلال ما يربو على ستين يومًا استطعت بتشجيعك للكيان الصهيوني أن توحدي الأجيال العربية والإسلامية والعالمية جميعها على الوقوف صفا واحدا لنصرة القضية الفلسطينية، استطعتِ أن تجعلي الصغير والكبير-على حد سواء- يبحث عن أنجع طريقة ينصر بها أطفال فلسطين، ينبش التاريخ لاسترجاع قبح مواقفك ضد الحق، مواقفك المخزية في أفغانستان والعراق وغيرها التي جاءت بشهادات موثقة في مذكرات وزراء خارجيتك ودفاعك وساستك.

وماذا بعد يا أمريكا؟!

هل أنتِ راضية عن أفعالك؟ هل سترقصين فرحًا ليلة عيد الميلاد على أشلاء الطفولة البريئة في فلسطين؟ أم هل ستغنين طربًا ليلة رأس السنة على شموع جوع وعطش الإنسانية في فلسطين؟ هل ستنامين قريرة العين في فراشك الدافئ الوثير وأهل فلسطين يلتحفون السماء ويفترشون العراء، ما بين قصف وتقتيل وتشريد واعتقال؟!

إنَّ كل ما نراه منذ أن فاض الكيل بالمقاومة الفلسطينية من الحصار في السابع من أكتوبر، أخرس ألسنتنا بسبب من نراه من تصعيد للأهوال والتنكيل جوعا وعطشا وهدما هستيريا وحرقا مجنونا وقصفا بأسلحة محرمة لشعب أعزل سلاحه قضيته، ومنهجه أقصاه الشريف، والله بتنا لا نهنأ بشربة ماء، ولا ننام إلا ومشاهد الدمار والدم رفيقة وسائدنا، وأهلنا في غزة والضفة والقدس ينالهم ما ينالهم من ظلم بين جلي، تردني الكثير من الرسائل عن سبب عدم كتابتي منذ السابع من أكتوبر، وأرد عليهم بأي لغة أكتب؟! فلغتي العربية -لسان الضاد- تقف قواميسها ومعاجمعها عاجزة أمام هول ووحشية أفعال بني صهيون، أم بلغة العيون أكتب؟ كيف؟ ودمع العين لا يكفكف أمام بشاعة الجرائم المرتكبة في حق الطفولة والإنسانية ببلاد ثالث الحرمين، فكلما جمعت منه في محبرتي لأبدأ الكتابة أراها تفيض وتمحو ما كتبت.

أرأيتِ يا أمريكا؟! هذا ما جنيته خلال شهرين ونيف، وسوف تحتاجين دهورا كي تتمكني من استعادة مكاسبك التي انتهت في السادس من أكتوبر 2023م، لأنَّ الأجيال الشابة والناشئة في العالم أجمع باتت تتساءل كل لحظة: لماذا لا يفتح باب الجهاد لنقف في صف أبي عبيدة؟، ويأبى الأطفال شراء أي منتج قبل أن يسألوا: هل هذا المنتج سيؤذي أطفال فلسطين؟!

"اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عنَّا قلة حيلتنا".

---------------------------------------------

 

توقيع:

"وقفتَ وما في الموتِ شكٌّ لواقفٍ // ‏وقد خالطت شمَّ الأنوف الصوارمُ.

‏فكنت وما بين الحسامين ضيّقٌ // ‏كأنك في جفنِ الردى وهو نائمُ"

المتنبي