حرب غزة.. وشعارات الغرب الكاذبة

 

 

صالح البلوشي

سيدخل العدوان الصهيوني الغاشم على الشعب الفلسطيني الباسل في غزة العزة والصمود، غدا الخميس، شهره الثالث، مع استمرار الدعم الأمريكي والغربي لهذا العدوان ومواصلة الشعب الفلسطيني الدفاع ببسالة وصمود عن أرضه.

 ولكن مهما طال أمد الحرب العدوانية أو قصر فإنها ستنتهي؛ سواء هذا الشهر أو الشهور المقبلة، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه: وماذا بعد؟ لقد برهنت أحداث الأسابيع الماضية على أن حركة المقاومة الإسلامية "حماس" أثبتت ليس فقط قدرتها على التصدي للعدوان الغاشم، وإنما أيضا تكبيد العدو خسائر فادحة في الأرواح والمعدات، ولا شك أن الخسائر الحقيقية أكبر بكثير من الأرقام التي يعلنها العدو؛ فالأطراف المتحاربة عادة لا تنشر خسائرها علنا في وسائل الإعلام أثناء الحروب، وإنما تفعل ذلك بعد انتهاء العمليات العسكرية، وترافقها أحيانا بتشكيل لجان تحقيق في حال الهزائم وربما محاكمات أيضا، ولذلك يتجنب نتنياهو وقف إطلاق النار لأنه يعلم جيدا أن ذلك يعني الإطاحة به ومحاكمته؛ لأن كثيرا من سكان "إسرائيل" ووسائل الإعلام "الإسرائيلية" تتهمه مباشرة الفشل في التصدي لهجمات المقاومة وفي إدارة الحرب.

ومن ناحية أخرى، فإنَّ الحرب العدوانية قد أسقطت جميع الشعارات التي كانت ترفعها الولايات المتحدة والغرب حول حقوق الإنسان والديمقراطية وحقوق الطفل والمرأة، وأثبتت بأن هذه الحقوق لا قيمة لها عندهم إذا تعلقت بالإنسان المسلم أو العربي سواء كان رجلا أو امرأة أو طفل، بل إن الوقاحة الأمريكية وصلت إلى درجة أن يعلن مستشار الأمن القومي الأمريكي  بتاريخ 4 ديسمبر الجاري بأنه يدعو "المجتمع الدولي مجددا للوفاء بالالتزامات في الجانب الإنساني"، ويقصد طبعا الإفراج عن الأسرى "الإسرائيليين" الذين تحتجزهم المقاومة الإسلامية "حماس". أما الجانب الإنساني في حماية الشعب الفلسطيني من الإرهاب الصهيوني، فلا قيمة له عند المستشار الأمريكي ولا حكومته المتورطة حتى النخاع في قتل الشعب الفلسطيني، وقبل ذلك الشعب العراقي والأفغاني والليبي والسوري وشعوب أخرى .

وفي هذه الحرب، تجاوزت الحكومة الأمريكية والحكومات الغربية السقوط الأخلاقي إلى سقوط من نوع أكبر وأخطر، ومِنْ مَنْ؟ من واحد من أهم منظري مدرسة فرانكفورت النقدية وأكثرهم شهرة وأغزرهم إنتاجا، الذي يعرف بفيلسوف النقد والتواصل وهو يورجن هابرماس الذي أصدر مع فلاسفة آخرين بيانًا حول الأحداث في قطاع غزة، أدانوا فيه "المجزرة التي ارتكبتها حماس ضد إسرائيل بنية إبادة الحياة اليهودية بشكل عام"، إذ أوضح البيان "أنَّ الوضع الحالي الذي تسبَّبت فيه وحشية الهجوم غير المسبوق الذي شنَّته حماس، وردّ فعل إسرائيل عليه، أفضى إلى سلسلة من المواقف الأخلاقيّة والسياسيّة والمظاهرات الاحتجاجية".

وقد وصف الناقد السعودي مُحمَّد العباس في مقال نشره عبر صفحته على منصة "إكس" بعنوان "هابرماس..الوعي المنشق على نفسه"، تصريحات هابرماس في هذا البيان: "وكأنه يغلق الفضاء العمومي الذي ابتنى جانبًا مُهمًّا من سمعته الفكرية على فضائه ويمنع الجمهور من تنفس الديمقراطية التي تشكل جوهر الفضاء العمومي؛ وبذلك ألغى أي إمكانية لمساءلة الهمجية "الإسرائيلية".

لقد كشفتْ أحداث غزة الغطاء عن جميع الشعارات السياسية والفكرية والثقافية والفلسفية والحقوقية التي كانت ترفعها الولايات المتحدة والغرب، ويفرضون عقوبات قاسية جدًّا على الدول التي يطلقون عليها وصف "المارقة" بسببها، وأثبتوا أنهم يقصدون بهذه الحقوق الإنسان الغربي فقط. أما الإنسان الآخر -وخاصة إذا كان مسلما أو عربيا- فإن دمه وماله مستباح، وليس له أي قيمة عندهم، وكما قال المفكر الإيراني الراحل علي شريعتي، فإنَّ مستقبل الأمة ليس في الغرب الكاذب وإنما "العودة إلى الذات".