مفاهيم معاصرة

 

علي بن مسعود المعشني

ali95312606@gmail.com

 

شهد العالم تحولات كبيرة ومُتسارعة بعضها سلبي والبعض الآخر إيجابي، وبعضها يمكن وصفه بمزدوج التأثير؛ أي يعتمد على كيفية توظيفه واستغلاله، ومن أمثلة ذلك، التطور التقني المُتسارع والذي جعل العالم بحسب الوصف الدارج قرية كونية صغيرة رغم الحجم الحقيقي والتباعد الجغرافي.

هذا التطور التقني بنوعيه الكمي والنوعي، أوجد فيما بعد ما يُعرف بالاستعمار التقني من قبل المُنتِجِين للتقنية في العالم، للأقطار والشعوب المستهلكة للتقنية. وهذا الاستعمار- بطبيعة الحال- وجه جديد من أوجه الاستعمار الناعم، ظاهره رحمة وباطنه عذاب، على اعتبار أنه ضرورة عصر متعددة الاستعمالات والأهداف كذلك.

وبما أن كل استعمار بطبيعته وصفته وأهدافه هو احتلال وسيطرة على الآخر المستهدف، فمن الطبيعي أن تكون له مخالب وأنياب وأعراض، وفي المقابل أدوات مقاومة له من الضحية توازي ضراوته وتخفف من آثاره قدر المستطاع. من هنا نشأت جيوش القرصنة وجيوش مضادة تُعرف باسم الأمن السيبراني، والأمن السيبراني مفهوم وأداة جديدة على العالم، نشأت لغرض مواجهات حربية ناعمة في ظاهرها ومدمرة في مفاعيلها في ساحات معارك خفية، ومن قبل جيوش غر مرئية تعتمد في تأثيرها على مدى جهوزيتها وتمرسها في عالم التقنية.

ثورة التقنية هذه، وتشابك مصالح العالم تقنيًا واقتصاديًا، وثورة الاتصالات، جعلت بعض المفاهيم السائدة في عالمنا، مثل: السيادة والأمن القومي والتحرر والاستعمار، وهي مفاهيم محل تقليب رأي، بعد عقود من الإجماع السياسي على تعريفها؛ فالسيادة اليوم أصبحت منقوصة ومجروحة بفعل الحاجة للتكامل وتعدد المصالح وتباعدها جغرافيًا وسكانيًا؛ حيث لا توجد دولة اليوم تتمتع بسيادة كاملة في ظل حاجتها للتكامل مع الجوار أو الإقليم أو العالم، لسد حاجة أو حاجات ماسة لها، الأمر الذي يدفعها قسرًا الى التنازل الجزئي غير المُخل عن سيادتها لتأمين تلك الحاجة أو المصلحة الحيوية لها. كما إن مفهوم الأمن القومي لم يعد ما يغطي تلك المساحة المعلومة من الجغرافيا والمسماة بالحدود السياسية للدولة. ففي ظل تشابك المصالح بين الدول وفي طفرة ثورة الاتصالات والتقنية التي تجتاح العالم، أصبح مفهوم الأمن القومي هو كل جغرافية تحتوي على مصالح حيوية لهذه الدولة أو تلك، وأصبح الأمن الإقليمي والذي كان من مفاهيم الأمن القومي، متداخلًا جدًا مع مفردات الأمن الوطني للدولة اليوم.

ثقافة الحصارات للشعوب والتي أنتجها العقل الغربي المُعاصر كأداة استعمارية حديثة لإخضاع الشعوب والبلدان التي تُصنف بالمارقة وفق التوصيف السياسي الإمبريالي الغربي، أنتجت مفهومًا آخر للسيادة والأمن القومي والوطني للدولة المعاصرة، وبرهنت بأن الأمن الغذائي سلاح ماض للتحرر، وسلاح ماض للحروب الناعمة كذلك؛ حيث جعلت الامبريالية الغربية حاجات الشعوب الضرورية من غذاء ودواء تحت رحمتها ومرهونة بمنسوب خضوع أو رفض الدول لهيمنتهم، لهذا تعددت مفاهيم الأمن القومي ومفرداته في عصرنا، كما تعددت اسلحة المواجهة بين ناعمة وخشنة لصون السيادة والأمن القومي للدولة.

اليوم لم تعد المسألة تُقاس بقوة الجيش وتعداد أفراده ومدى جهوزيته ونوعية عتادة بل بمدى حيوية الدولة وتفاعلها مع العصر وتناغمها مع متطلباته، وبحجم مكاسبها من أدوات العصرنة للوقاية والدفاع معًا.

قبل اللقاء.. إذا أردت السلام، فكن مستعدًا للحرب.

وبالشكر تدوم النعم.