الزي العُماني إلى أين؟

 

جابر حسين العُماني

jaber.alomani14@gmail.com

 

وُجِّهَت لي دعوةٌ لتقديم ورقة علمية في أحد المؤتمرات الخليجية، وطُلب مني تقديم الورقة بالزي العُماني، ومن باب الفضول سألت المعنيين هناك: لماذا التركيز على الزي العُماني؟ فجاء الرد: لأن الزي العُماني أصبح  محط أنظار العالم، والعالم يحترمه ويقدره ويجله كثيرًا، وهذا ما نراه فعلاً ونلمسه اليوم من بلدان العالم تجاه سلطنة عُمان وزيها العُماني الأصيل، الذي تعود على لبسه أهل عُمان وحافظوا عليه.

لقد أكد القانون العُماني على لبس الزي العُماني للموظفين وطلاب المدارس الحكومية، وذلك حفاظًا على الموروث الشعبي العُماني، وعُرف الإنسان العُماني منذ القدم بمحافظته على تراثه وأصالته العُمانية، ولا زال أبناء وبنات عُمان منذ نعومة أظافرهم يهتمون بارتداء الزي العُماني العريق، والذي لا يفارقهم في حضرهم أو سفرهم.

إنَّ أهم ما يلمسه زوار سلطنة عُمان في الداخل العُماني، هو تجسيد وحب وعشق واعتزاز أهل عُمان بتراثهم الوطني الأصيل المتمثل في الأزياء العُمانية المختلفة والمحتشمة، والتي عُرفت بأناقتها وجمالها وبساطة أشكالها وألوانها وشهرتها العالمية، وأصبح الزي العُماني التقليدي له طابعه المميز من بين الأزياء العربية والإسلامية، حيث عُرف بالحشمة والأصالة والعراقة. ولكن في الآونة الأخيرة هناك من سعى لإدخال بعض التحديثات على الزي العُماني التقليدي، بحيث أفقده شيئا من أصالته وعراقته التي تربى عليها أبناء الوطن منذ القدم.

وكم هو مؤسف جدًا عندما ترى اليوم في الأسواق والأماكن العامة بعض الموديلات النسائية التي انسلخت عن هويتها، فصارت بعض النساء يرتدينها، مثل ارتداء العباءة الضيقة أو القصيرة أو الملونة، تقليدًا لصيحات الموضة الغربية والعالمية، التي لا علاقة لها بعاداتنا وتقاليدنا وثقافتنا الإسلامية والوطنية.

وقد سبق أن منعت مؤسسات الدولة المعنية إدخال التغييرات على الدشداشة الرجالية العُمانية، حفاظًا على الهوية العُمانية، لذا أصبح اليوم من الواجب أيضا تفعيل نفس القانون على بعض التغيرات التي طالت الزي النسائي العُماني، وأفقدته هويته التي عرف بها، بنفس الهدف وهو الحفاظ على الهوية العُمانية الأصيلة للمرأة العُمانية، ولكي لا تصبح المرأة أداة من أدوات الإغراء للمجتمع، ميزها الله تعالى بالحصن المنيع، وهو اللباس المحتشم الذي يستر جسدها ومفاتنها لتكون مفخرة من مفاخر الدنيا بحجابها وعفافها.

اليوم لا بُد أن يعي الجميع أن لباس المرأة المُسلمة ما هو إلا جزء لا يتجزأ من الحجاب الذي أراده الله تعالى للمرأة، وهو يمثل عنوانًا واضحًا وصريحًا للأحكام الاجتماعية التي خصصها الله تعالى للمرأة في النظام الإسلامي الحنيف، فقد حث النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم على أهمية الحجاب، ولبس اللباس المحتشم، وأنذر بالعذاب العظيم  للاتي لا يعتنين باللباس المحتشم، فقد جاء عن أمير المؤمنين ومولى الموحدين الإمام علي بن أبي طالب أنه قال: (دَخَلْتُ أَنَا وَفَاطِمَةُ عَلَى رَسُولِ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ فَوَجَدْتُهُ يَبْكِي بُكَاءً شَدِيدًا، فَقُلْتُ: فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي يَا رَسُولَ اَللَّهِ مَا اَلَّذِي أَبْكَاكَ؟ فَقَالَ: يَا عَلِيُّ؛ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي إِلَى اَلسَّمَاءِ رَأَيْتُ نِسَاءً مِنْ أُمَّتِي فِي عَذَابٍ شَدِيدٍ، فَأَنْكَرْتُ شَأْنَهُنَّ، فَبَكَيْتُ لِمَا رَأَيْتُ مِنْ شِدَّةِ عَذَابِهِنَّ)، ثم أخذ في تعداد أسبابهن، ومن بينهن قال: (رَأَيْتُ اِمْرَأَةً مُعَلَّقَةً بِشَعْرِهَا يَغْلِي دِمَاغُ رَأْسِهَا)، فلما سألته ابنته فاطمة الزهراء عن سبب ذلك قال: (يَا بِنْتِي؛ أَمَّا اَلْمُعَلَّقَةُ بِشَعْرِهَا فَإِنَّهَا كَانَتْ لاَ تُغَطِّي شَعْرَهَا مِنَ اَلرِّجَالِ).

وهنا رسالة واضحة على أهمية الحفاظ على الزي الاجتماعي الذي يجب أن يكون في محل الحشمة والعفة والسداد للمرأة، والذي لا يتحقق إلا بالحفاظ على لباس الاحتشام الذي اعتادت عليه المرأة العُمانية والعربية، والتي أوصى به ديننا الحنيف وورثناه جيل بعد جيل من آبائنا وأمهاتنا، وهو اللباس الذي يحفظ لنا ديننا وهويتنا الوطنية، وعاداتنا وتقاليدنا العربية والإسلامية.

قال تعالى في محكم كتابه وفصيح بيانه: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا﴾ [الأحزاب: 59].

أخيرًا.. قد يكون إدخال الحداثة إلى الأزياء الاجتماعية أمر مطلوب يحتاج إليه المجتمع العربي بشكل عام والعُماني بشكل خاص، وذلك من باب تطوير الحضارة العُمانية والعربية بشكلها العام، من خلال تحديث الزي التراثي ودمجه بالتصاميم الجديدة والمعاصرة، ولكن يجب أن لا يكون ذلك الدمج والتطوير المعاصر يمثل انحرافًا وابتعادًا واضحًا وصريحًا عمَّا ورثه الانسان العُماني من عادات وتقاليد وقيم عُمانية وعربية سمحة وأصيلة نشأ عليها المجتمع العُماني الأصيل.