متى يزول الألم عن غزة وفلسطين؟

 

حمد الحضرمي **

 

سوف أبدأ من حيث ما انتهيت منه في السطر الأخير من مقالي السابق والذي كان سؤالًا استفهاميًا: فمن السبب... في كل ما جرى ويجري لكم أيها العرب! والإجابة على السؤال الكبير يحتاج إلى كتاب، ولكن سوف اختصر الإجابة بكلمات موجزة، توضح السبب، وتضع الحل، من وجهة نظر. فقد شخص وحلل رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم وضع الأمة الإسلامية التي هي اليوم عليه من الضعف والهوان منذ أكثر من 14 قرنًا؛ حيث قال في الحديث "يوشك الأمم أن تداعى عليكم، كما تداعى الأكلة إلى قصعتها، فقال قائل: ومن قلةٍ نحن يومئذ؟ قال: بل أنتم يومئذ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم، وليقذفن الله في قلوبكم الوهن، فقال قائل: يا رسول الله، وما الوهن؟ قال: حبُ الدنيا، وكراهية الموت".

وهذه هي الحقيقة، فقد أصاب الأمة الإسلامية الوهن، وهاهي اليوم تعيش في حال يرثى له من الضعف والهوان، وتداعيت عليها سائر الأمم، وتم الاعتداء عليها، وسرقة ثرواتها، ونهبت خيراتها، وكثرت كبواتها، وزادت غفلاتها، فأصبحت تعيش أسوأ حالاتها، لأنها ابتعدت عن كتاب ربها وسنة نبيها، وابتعدت عن الجهاد والذي كان في بداية تشريعه الدفاع عن النفس، قال تعالى "وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ" (البقرة: 190) ثم شرع الله الجهاد لقتال العدو الكافر من أجل التمكين للعقيدة من الانتشار دون عقبات، ومن أجل صرف الفتنة عن الناس ليتمكنوا من اختيار الدين الحق بإرادة حرة، قال تعالى "وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّىٰ لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ" (الأنفال: 39).

وقد سجل التاريخ بأن المقاتلون المسلمون قد التزموا بالضوابط والمبادئ والقيم والأخلاق في الحروب مع الأعداء، ولم يذكر بأن المجاهدين المسلمين الأبطال قد قاموا بارتكاب جرائم حرب، كقتل المدنيين والأطفال والنساء وحرق الجثث القتلى وهدم المنازل على أهلها، وإنما كانوا يقاتلون بعدل ورحمة وحق لتكون كلمة الله هي العليا، واليوم الصهاينة المحتلين أصحاب القلوب السوداء، قد داسوا بأقدامهم القذرة كل المبادئ والقيم والأخلاق في الحروب، وفعلوا بأهلنا في غزة وفلسطين كل ما هو محرم ومجرم وفق نصوص القوانين والمواثيق والأعراف الدولية. 

إن الحرب الإجرامية التي يشنها العدو الصهيوني على غزة الفلسطينية منذ أكثر من أربعين يوم، والتي قضت على الأخضر واليابس، وقتلت الآلاف من المسلمين الأبرياء من الأطفال والنساء والشيوخ، وعذبت الأحياء ومثلت بجثث الأموات من الشهداء، وهجرت وشردت العوائل من بيوتهم وأرضيهم. والله إنه لأمر تتفطر منه الأكباد، وتدمي له القلوب، وتذرف له العيون، ولكن رغم كل ما يحدث، فإن هذه الحرب الظالمة قد ايقضت نفوس المسلمين وأصحاب الضمائر الحية من البشر في أنحاء العالم، وأصبحت قضية فلسطين المحتلة حاضرة في أذهان وعقول الملايين من الناس، المسلم منهم أو غير المسلم.

 

وتظل قلوب المسلمين في كل بقاع العالم معلقة بالمسجد الأقصى والقدس والأراضي الفلسطينية، وتحزن الأمة بأسرها وتتألم عندما ترى أرض فلسطين ما زالت رهن الاحتلال البغيض، وترى تطاول وتكبر وطغيان الصهاينة المحتلين، واجرامهم بحق إخواننا وأهلنا في غزة وفلسطين. إن المسلمين تمر عليهم حاليًا أصعب لحظات في حياتهم، لحظات كلها آلام وأحزان ونكسات ونكبات، ولا بد للأمة الإسلامية من الصحوة واليقظة، والنهوض من هذه الغفلة وهذا السبات، وإنها لفرصة سانحة للمسلمين يجب عليهم استثمارها، في العودة إلى الله وتجميع شتات العرب والمسلمين، وتوحيد صفوفهم، وتشجيع وتحفيز الشباب واستغلال طاقاتهم، ليكون لهم دورًا إيجابيًا يساهم كل شخص منهم قدر إمكانياته واستطاعته في المساعدة بتحرير أرض فلسطين من أيدي الصهاينة المعتدين، وبإذن الله سيزول الألم وتعود فلسطين عزيزة آمنة مطمئنة إلى حوزة المسلمين والعرب.

اعلموا يا أمة الإسلام أن فلسطين لن تعود إليكم بكلمات نقولها أو مقالات نكتبها، وإنما ستعود بالتخطيط والعمل المثمر، والجد والاجتهاد المتواصل، لأن الله لا ينصر إلا من ينصره، مصداقًا لقوله تعالى "وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ" (الحج: 40) وقول الله تعالى "إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ" (محمد: 7).. ولذا علينا البحث عن الوسائل التي بها ننصر الله حتى ينصرنا الله على الأعداء نصرًا مبينًا.

إنَّ أرض فلسطين غالية على الأمة الإسلامية وتحريرها من العدو المحتل المغتصب واجب علينا جميعًا، ولتكون البداية باستخدام سلاح المقاطعة، بموجب ما قاله سماحة الشيخ أحمد الخليلي مفتي عام سلطنة عُمان في فتواه، وينادي به بعض العلماء والدعاة الصالحين، على أن المقاطعة واجب على عموم الأمة، وذلك لما للمقاطعة من تأثير فعال على العدو وحلفائه.

وهنا لا ننسى أن نوجه الشكر والثناء والتقدير والعرفان للشعب العماني الأصيل ولكافة الشعوب العربية والإسلامية على تفعيل سلاح المقاطعة بكل تفاعل وإخلاص وأمانة، وسيكون لهذه المقاطعة تأثير عظيم على العدو الصهيوني المحتل وشركائه وأنصاره. كما أن الإعلام بمختلف أشكاله وأنواعه ووسائله وقنواته سلاحًا مهمًا لما له من تأثير بالغ الأهمية، لأن الملايين من القراء والمستمعين والمشاهدين يتابعون كل ما يجري من أحداث ووقائع في كل بقاع الدنيا، عبر وسائل الإعلام المختلفة.

والأمر يتطلب بأن تتحلى هذه الوسائل الإعلامية العربية والإسلامية بالعلم والثقافة والمعرفة لنشر القضية الفلسطينية بكل وضوح وشفافية، والرد على الوسائل الإعلامية الغربية المعادية بالمنطق والحكمة والبلاغة، واختيار المفردات الصحيحة والعبارات السليمة والكلمات المعبرة التي تكشف حقيقة العدو الصهيوني المحتل وتفضح الجرائم والمجازر التي يرتكبها الصهاينة بحق إخواننا وأهلنا في غزة وفلسطين، وعلى الإعلام والإعلاميين كذلك شحذ الهمم والطاقات لنصرة غزة وفلسطين، ورفع الروح المعنوية للمجاهدين المرابطين الموحدين الأحرار الأبطال في أرض المعركة.

وعليكم يا أهل غزة وفلسطين الصبر وتحمل الصعاب لأن الدفاع عن أرض فلسطين واجب، ولا يجوز التنازل عن شبر من أرضها بأي حال من الأحوال، لأنها الأرض التي بارك الله عز وجل فيها للعالمين، وفيها المسجد الأقصى أولى القبلتين وثالث الحرمين، ومسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي أكتافها يرابط المجاهدون الصادقون إلى يوم القيامة، وهي أرض المحشر والمنشر، وهي التي في سبيلها بذلت دماءُ غالية من صحابة رسول الله ومن التابعين والصالحين، وعلى أراضيها وقعت معارك خالدة لا تنسى من الذاكرة لتحريرها، مثل معركة حطين وعين جالوت.

واعلموا يا إخوة الإيمان والعقيدة بأن دماء الشهداء منكم لن تذهب سدى، لأنها دماء زكية طاهرة قد سالت في سبيل الله وموعدها الجنة، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث "من قُتل دون ماله فهو شهيد".

طوبى لكم يا أهل غزة وفلسطين بالجهاد في سبيل الله، وطوبا لكم بالكرامة والعزة للدفاع عن أرضكم وعرضكم وكرامتكم، وطوبا للشهداء منهم بالجنة، وبمشيئة الله سيزول الألم وتعود فلسطين والقدس والمسجد الأقصى إلى حوزة المسلمين والعرب.

** محامٍ ومستشار قانوني