التحكم بذكرياتنا.. فرص ومخاوف

 

مؤيد الزعبي

كثيرًا ما تمتلئ عقولنا بذكريات سيئة أو مؤلمة، وكثير ممن يعانون من صدمات نفسية لا يمكن تجاوزها أو تخطيها خصوصًا لأولئك الذين يعيشون في ظروف قاسية أو في مناطق النزاع، وتخيل كم هي الذكريات المؤلمة التي يتعرض لها الجنود في أرضية المعركة أو المدنيون وهم تحت القصف.

وبعيدًا عن هذه الأجواء، تخيل حجم الألم الذي تعتصر له القلوب من فقدان عزيز أو غالٍ وفي المقابل هناك عشرات المواقف أو الذكريات الجميلة التي تمر بخواطرنا التي لا نريد أن تزول وبمجرد تذكرها يتدفق السيروتونين في أجسادنا وتغمرنا السعادة، ربما جال في خاطرك العديد من الذكريات وأنت تقرأ هذه المقدمة، فماذا لو قلت لك إننا في طريقنا لنتحكم بكل هذا وتصبح ذكرياتنا "هارديسك" نُسجِّل عليه ما نريد ونحذف من عليه ما لا نريد؟ ضربٌ من الخيال يصعب تصديقه أو حتى تقبله ولكن صدقني إننا قريبون من هذا فعلًا وإليك الحجة والدليل.

بوجهة نظري أن ما يجعل الأمر مُمكنًا بشكل غير مسبوق أننا على أعتاب أن تتصل عقولنا بأجهزة وكمبيوترات، وأيضًا نحن على أعتاب أن تُزرع عقولنا بشرائح ومجسات، وهذا كفيل بأن نصل بعد بضع سنوات لتقنيات قادرة على التحكم بذكرياتنا أو التأثير فيها على الأقل، وحينها سيكون لدينا القدرة على محو الذكريات المؤلمة ومحاولة جعل أدمغتنا تركز أكثر على ذكرياتنا الإيجابية والسعيدة.

عند الحديث عن مثل هذه المسألة، قد يخطر ببالك العديد من المخاوف، وهذا أمر طبيعي، فنحن نتحدث عن تدخل التكنولوجيا والتقنية في العقل البشري وتؤثر فيه، وربما تُعيد تركيبته، وتُعيد خارطة أفكاره وذكرياته. وما كنا نتحدث عنه منذ سنوات من عمليات غسيل دماغ، سنجد أنها بدائية أمام تقنيات متطورة قد تجعل الشخص ينقلب رأسًا على عقب بين ليلة وضحاها، وما كان مؤمنًا به من أفكار تتحول لأفكار يحاربها ويتنصل عنها. الخطورة لا تكمن في هذا الجانب فقط بل هناك مخاوف من تعطل وظائف الدماغ وعدم عمله بشكل طبيعي بعد الخضوع لمثل هذه التدخلات، ومازلنا حتى الآن لم نؤمن التجربة من جميع جوانبها وهذا ما سيتطلب عملًا كبيرًا في قادم السنوات، ولكن وجهة نظري دائماً واحدة طالما الإنسان وضع الفكرة على الطاولة فسيحققها يومًا ما وسيتغلب على جميع مشاكلها وصعوباتها.

ومن المخاوف الكبيرة التي قد تخطر ببالك أيضًا عزيزي القارئ، مسألة الاستخدام الخاطئ لمثل هذه التقنيات من قبل المنظمات أو الجماعات الإرهابية ومعك حق فإنَّ هذه النقطة تحديدًا أجدها من أخطر الأمور المتعلقة بتقنيات التحكم بالذكريات أو التأثير بمخزون العقول البشرية، فتخيل كيف سيتم استخدامها في مسائل مخالفة للقانون أو توجيه بعض الناس للقيام بعمليات إرهابية أو حتى استخدامها في تدريب المرتزقة من الجنود، وغيرها الكثير من الأمور ولكن أجد أن التغلب على هذه المخاوف يكمن في جعل هذه التقنيات في أيد أمينة بعيدة عن أيدي التجار والشركات التي سيكون همها الأول والأخير تحقيق الربح وحينها لن يكون بمقدورنا أبدًا السيطرة على انتشار هذه التقنيات في أوساط الجماعات الإرهابية أو استخدمها في أغراض عسكرية مشينة.

على الجانب الآخر، أجدُ أن وصولنا لمثل هذه التقنيات سيخفف الكثير من الأعباء على أطباء النفس أو حتى تقليل أعداد حالات الانتحار عالميًا، فأغلب المشاكل النفسية تكمن في ذكرياتنا وتعاطي عقولنا مع هذه الذكريات. ولهذا فإن دخول تقنيات تكنولوجية قادرة على محو ذكريات مُعينة من أدمغتنا قد يزيل مشاكل نفسية لا حصر لها، أيضًا يمكن من خلالها معالجة بعض الأمراض الجسدية التي تكون ناتجة عن صدمات نفسية، وبخلاف هذا يمكن تعزيز الروح الإيجابية في المجتمعات من خلال توجيه العقول نحو الأمور الإيجابية والسعيدة من ذكرياتهم، وسيكون لدينا الفرصة لتصحيح مسارات اجتماعية كثيرة من خلال هذه التقنيات.

تخيل معي عزيزي القارئ، مع وصولنا لهذه التقنيات، سيكون بمقدورنا معالجة مشاكل اجتماعية لا حصر لها، من مشاكل داخل الأسرة وطبيعة العلاقات بين الأزواج والمشاكل الناتجة عن عدم القدرة على تجاوز موقف أو حدث مُعين، أو حتى محو أخطاء ارتكبها آباء تجاه أبنائهم وهم في أمسِّ الحاجة للبدء بصفحة جديدة يكفرون من خلالها ما اقترفته يداهم، وبعيدًا عن الجدال في هذه المسألة وعدم قدرتنا على تقبلها ولكن عندما تتوفر التقنية لذلك سنفكر بشكل جدي بإمكانية استخدامها لتصحيح العديد من المشاكل الاجتماعية والأسرية.

التحكم بذكرياتنا فرصة للبشرية لمعالجة الكثير من الأمور، وفي نفس الوقت مخاطرة كبيرة إذا ما استُخدمت هذه التقنية بطريقة سلبية. ورغم كل شيء تأكد عزيزي القارئ، أن محاولاتنا البشرية ستمضي بلا توقف لنصل للحظة نستطيع من خلالها أن نتحكم بذكرياتنا والتحكم بعقولنا البشرية؛ هدف بذلنا الغالي والنفيس من أجله، واليوم نحن على أعتاب تحقيقه.