الرأي العام العُماني وخطر الشائعات

 

د. محمد بن عوض المشيخي **

تنتشر الشائعات في المجتمعات التي تعاني من قلة تدفق المعلومات الصحيحة من المصادر الرسمية والمختصة بصناعة القرار، فعند غياب الحقيقة تجد الشائعات طريقها السهل والمُمَهَّد للجمهور الذي ينتظر مثل تلك الشائعات التي تنتشر بين وقت وآخر للمتعطشين لمتابعتها من البعض.

ولعل الناطق الرسمي باسم الحكومة هو الحل السحري الوحيد لتبديد الشائعات المتداولة التي تنتشر بين النَّاس مثل النار في الهشيم، على شرط أن يُمنح الناطق الرسمي جميع الصلاحيات الضرورية لإطلاع وسائل الإعلام على مختلف المُستجدات التي تهم الرأي العام، كما يجب أن يكون المتحدث الرسمي على اطلاع ودراية بأوضاع الحكومة وقراراتها الحاضرة والمستقبلية، معتمدًا في ذلك على الشفافية والصراحة دون تلوين أو تزيين لوجوه المقصِّرين في أداء الواجب تجاه الأمانة التي أُسندت إليهم، والمتمثلة في الوظيفة العامة التي هي في واقع الأمر تكليف قبل أن تكون تشريفًا. لكن لم نرَ هذه القاعدة حاضرة في دول عديدة، وذلك في توجيه وتذكير المسؤولين الذين يتولون خدمة المجتمع أن هناك حقوقًا وواجبات يجب أن تؤدّى تجاه الناس؛ بل هناك من بيننا من الأشخاص الذين يعتبرون وصولهم إلى المناصب العليا فرصة وسفرًا بلا عودة في رحاب الكرسي الذهبي، كما يسميه البعض، فلا يمكن النزول من على القمة والجاه والسلطة بسهولة؛ فالشواهد والدلائل تقول إن البعض مستمر في الوظيفة لعدة عقود أمر طبيعي مهما كثرت التعثرات وقلَّت الإنجازات والنجاحات!

في الشأن العُماني، تابعنا خلال الأيام الماضية عبر منصات التواصل الاجتماعي وخاصة تطبيق الواتساب، الانتشار والتفاعل الواسع للأخبار التي تداولتها المنصات لتشكيل أو تغيير وزاري مزعوم مع ذكر أسماء الأشخاص والمناصب الوزارية، ولم يكن ذلك إلا تضليلًا للرأي العام ووسيلة رخيصة لنشر الشائعات المُغرضة التي تُعبِّر عن الذين يزعمون أنهم على اطلاع على أسرار الدولة وعلى تواصل بصناع القرار في البلد.. إنه حب الظهور المفرط من ضعفاء النفوس.

من المفارقات العجيبة، أن تجد مثل تلك الشائعات من يتقبلها ويتابعها؛ بل وينقلها إلى الآخرين، على الرغم من أن العالم بأسره في هذه الأيام لا يرفع عينه عن القنوات الإخبارية لمتابعة ما يجري من مجازر في غزة، وعلى وجه الخصوص الرأي العام العُماني الذي أصبحت أولوياته متابعة ما يدور في فلسطين المحتلة؛ فالجميع يشعر بالفخر والاعتزاز بالمواقف الرسمية والشعبية في السلطنة؛ بداية مما عبَّر عنه جلالة السلطان أثناء ترؤسه اجتماع مجلس الوزراء وتضامنه الصادق والصريح مع الشعب الفلسطيني ودعوته المجتمع الدولي لحماية غزة، مرورًا بمعالي السيد وزير الخارجية الذي دعا إلى محاكمة قادة إسرائيل على جرائمهم ومجازرهم في فلسطين المحتلة، وبلا شك موقف سماحة الشيخ أحمد بن حمد الخليلي المفتي العام للسلطنة، الذي سبق وتصدر موقفه المشرف والشجاع علماء الأمة.

صحيحٌ أن هناك من يعتقد أنَّ مثل هذه الشائعات تندرج ضمن ما يُسمى بـ"بالونات الاختبار" للرأي العام، لكني شخصيًا استبعدُ ذلك؛ فاختيار الأشخاص للمناصب العُليا يخضع في العادة لمعايير خاصة ومعروفة.

من المؤسف حقًا أن تُتَدَاوَل مثل تلك الأخبار التي تَفتقدُ إلى مصدر رسمي يسندها، فمن خلال متابعتي لمجموعات التواصل الاجتماعي خاصة منصة (واتساب)؛ وجدت مُعظم الناس تُصدِّق تلك الأنباء غير الدقيقة، وكان أجدر بالجميع الرجوع إلى وسائل الإعلام المحلية وخاصة وكالة الأنباء العُمانية التي تمثل المصدر الرئيسي للأخبار في السلطنة.

غاب عن البعض ما يُعرف بالتدقيق في المعلومات التي تورد عبر المنصات الرقمية والتأكد من مصداقيتها قبل نشرها واعتمادها كأخبار صحيحة.

لا شك أن هناك دوافع لدى الرأي العام تجعله يتفاعل مع الشائعات، فقد أكدت إحدى الدراسات العلمية في هذا المجال أنه من أسباب انتشار الشائعات في المجتمع وجود فراغ لدى عامة الناس، وخاصة الباحثين عن عمل، كما إن هناك دوافع أخرى مثل الرفض الشعبي للمسؤولين الذين أخفقوا في مهامهم الوظيفية، وكذلك جهل البعض بكيفية التعاطي مع الأخبار واستقبالها دون تمحيص.

ما يجب أن ندركه جميعًا ونحذر منه هو أن الشائعات خطاب عاطفي مؤثر، يستهدف تضليل العقول واستمالة وكسب قلوب الجماهير بأية طريقةٍ كانت، من أجل نشر الأفكار والأكاذيب، باستخدام الحِيَل والأساليب غير المشروعة، وعلى الرُّغم من أن حملات الدعاية والشائعات ومضامينها تعتمد في السابق على القنوات الشخصية والاتصال المباشر بين أفراد المجتمع بشكل واسع، إلّا أن الوضع اختلف تمامًا الآن؛ حيث أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي تُسخدم كمَطِيَّةٍ أو وسيلةٍ للوصول إلى الجمهور؛ لتحقيق غايتها وأهدافها، فهذه الوسائل الجديدة تنقل 90 بالمائة من الشائعات المنتشرة في السلطنة، بينما تنفرد منصة الواتساب لوحدها بـ80 بالمائة من الشائعات المتداولة بين العُمانيين، أما الاتصال الشخصي المباشر فلم يعد ينقل أكثر من 10 بالمائة من الشائعات.

هكذا تهدف الشائعات إلى إثارة الرأي العام على نطاق واسع، عن طريق نشر الأفكار والقصص والروايات التي تفتقد إلى المصداقية؛ بهدف التأثير على السياسات القائمة، والقوانين والأنظمة المتبعة في المجتمع المُستَهْدَف.

** أكاديمي وباحث مختص في الرأي العام الاتصال الجماهيري