المال أم الوطن؟!

محمد بن حمد المسروري

في انتخابات مجلس الشورى الأخيرة وجوه عُمانية في صورها تنافست على بلوغ المراكز المؤهلة لنيل شرف عضوية مجلس الشورى في دورته العاشرة، هذه الدورة التي تعد استثنائية بكل المقاييس التنظيمية الإلكترونية البعيدة عن المراقبة المباشرة للمُرشَّح الجامح والمُرشَّح النهم، مُرشَّح يرنو بكل ما ملك من دهاء "ضئيل" ومال "وفير" وغير ذلك من وسائل وجاهية وقبلية مربوطة بالضرورة بما ملكت يسراه قبل يمناه، من أموال سالت على يديه، كيف اكتسبها أو كيف وصلت إليه من مموليه ليسلمها بكل دقة وأمانة لمن كان ينتظرها بالفعل؟! بعد أن سلم بطاقته الشخصية لأحد أفراد حملة المُرشَّح (سين من الناس).

حسبما بلغني من أكثر من شخص ومصدر، أن حملة جمع البطاقات الشخصية بدأت فعليًا قبل بداية شهر أكتوبر 2023 جُرِّبَت الخطة في 22 أكتوبر بإحدى دول الجوار، ويبدو أنها حققت نجاحًا كبيرًا؛ لأنها أضحت سهلة وميسرة وبعيدة عن عين الرقيب من بني البشر، ومنها السلطات الرسمية، أما في 29 أكتوبر، فقد كانت الأمور أكثر وضوحًا؛ إذ السيارات بمختلف أنواعها كانت تجوب الحارات حاملة حقائب المال والوعود وما حوته من بطاقات شخصية احتُجزت لهذه الغاية، فكان السباق على أشده. لقد ذكر لي أحدهم أنه في مساء ذلك اليوم في بعض الولايات العمانية بلغت قيمة الصوت الواحد أكثر من 150 ريالًا. عملية بيع وشراء ولاء لأصوات باعت الذمة، لا أدري إن كانت تدخل في محظورات الشرع الشريف أم أنها عملية بيع وشراء دفع باليمنى وقبض بأخرى، أم إنها تحوم حول الحمى، لست متيقنًا من الحكم على الحالة، لقد قال أكثر من واحد إنها كانت حديث الساعات في يوم الأحد 29 أكتوبر 2023 من صباحاته حتى مسائه، أرجو أن ما وصلني من معلومات عن أحداث بداية من العين إلى أعلى الأذن كان مجرد ترويج لا يمت للواقع بأنف!

أما إن كان الأمر كما رواه أكثر من ألف واحد، فإن علينا جميعًا أفرادًا وجماعات وجهات مُنظِّمة للعملية الانتخابية لمجلس الشورى والسلطات الأمنية بكل مؤسساتها ووسائلها أن لا تعير الأمور أذنًا صماءً؛ بل عليها واجب التحقيق والتدقيق فيما قاله الشارع في الوطن وعدم الاستهانة بالأدلة رغم ضآلتها للآخرين، مع أنها أزكمت أنوف العامة والخاصة.

كنا وما زلنا ننادي بأن يكون لدينا مجلس شورى ذو كفاءة من الفهم والدراية والمعرفة الحقة خدمةً للوطن في حاضره ومستقبله، وأن لا يكون للجاهلين من منظري القبلية وباذلي المال مكانًا ليتربعوا على كراسي تحت قبته الشريفة.

عُمان تستحق الأجمل، وليس المُتجمِّل بحالاتٍ طارئة المال والنفاق المجتمعي والقبلي الذي لازم هذه العملية.. نعم نجحت عملية الانتخاب الإلكتروني، لكن الخوف كل الخوف أن تكون أحضرت للمجلس من هو غير ذي كفاءة لمرحلة مهمة جدًا من عمر الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية لعمان الحاضر والمستقبل، فلا بُد من إعادة النظر رسميًا في المُرشَّح وقدراته، إذ إن اجتياز الدبلوم العام أو سواه لم يعد مناسبًا لعضوية مجلس نُحمِّلهُ مسؤوليات مستقبل الوطن في كل مجالاته وأمانيه وأحلامه وتطلعاته، لا بُد من رفع سقف الجانب العلمي والثقافي للمُرشَّح لهذا المجلس الذي نضع الوطن أمانة بين يديه وفكره وأمانته الصادقة أمام الله والوطن والمواطن، وهو أقل قدرًا مما نتوسمه ونرجوه لوطن نحلم برقية الأدبي والإنساني، فلا يجب النظر إلى هذه الحالة بإغماض عين وترك أخرى على غير الحق، دون التحقق، والصمت عمّا حدث باعتباره تجارة بين الأفراد وسوق مال مرجو نفعه للمتعاملين من الأطراف؛ بل الأخذ باليمين على اليمين الآثمة ومنع تكرار التجربة.

لا بُد من المحاسبة للجميع مهما كانت درجاتهم، لأننا نريد مجلسًا يُمثِّل الوطن العماني بصدق وأمانة، ولا يُمثِّل فئة أو قبيلة، أو أي محسوب على تلكم الحالات، عُمان يا أعزائي تستحق الأجمل، والله رقيب على ما تفعلون.