تعزيز الخطة الوطنية للنزاهة ومكافحة الفساد

 

حيدر بن عبدالرضا اللواتي

haiderdawood@hotmail.com

هناك عدة دلالات واستنتاجات للزيارة الرسمية التي قام بها صاحب السّمو السيِّد فهد بن محمود آل سعيد نائب رئيس الوزراء لشؤون مجلس الوزراء إلى جهاز الرقابة المالية والإدارية للدولة مؤخرًا، خاصة في هذه الفترة؛ حيث يحرص الجهاز على تعزيز مسؤولياته للكشف عن كل ما يؤدي إلى تباطؤ عملية التنمية الاقتصادية في البلاد من خلال متابعته للتجاوزات والمخالفات التي تحدث في المؤسسات الحكومية العامة والشركات الخاصة.

هذه التجاوزات كشفت عنها الشكاوى والبلاغات التي ترد إلى الجهاز بين الفينة والأخرى والتي ترتبط بالإهمال والتلاعب ومخالفة القوانين واللوائح والقرارات الصادرة عن تلك المؤسسات، اضافة إلى التقصير في أداء الواجبات الوظيفية والمساس بالمال العام وغيرها من القضايا الأخرى.

تضاف اليوم قضايا مستجدة يجب على الجهاز متابعتها أيضًا؛ حيث يعاني منها البعض في حياتهم اليومية، وتتمثل في مُعاناة الجيل الحالي في الحصول على الأعمال المناسبة في مختلف مؤسسات الدولة ومؤسسات القطاع الخاص، بينما تتاح الفرصة للبعض في الدخول إلى تلك المؤسسات بأسلوب "الواسطة"، إضافة إلى معاناة البعض من تسريحهم من العمل من قبل المؤسسات التجارية التي يعملون بها دون معرفتهم للأسباب الحقيقية وراء هذا التسريح، خاصة من العمالة الوطنية.  كما على الجهاز أيضًا متابعة أعمال الأشخاص الذين لديهم نشاط كبير في زيادة التحويلات المالية إلى الخارج؛ سواء من المواطنيين أو الأجانب، وذلك بالتنسيق مع المؤسسات المالية والمصرفية التي تُتابع وتُشرف على أعمال تلك المؤسسات، خاصةً وأن بعض الوافدين تمكنوا خلال السنوات الماضية من بسط نفوذهم على أنشطة اقتصادية من بوابة المؤسسات التجارية الكبيرة، الأمر الذي يتطلب الوقوف على تلك القضايا لتصحيح المسارات.

هذه الزيارة كما أكد البيان الرسمي، تأتي تأكيدًا على الحرص الذي توليه الحكومة لأهمية التكامل والعمل المؤسسي، وتحقيقًا للفاعلية في تنفيذ الاختصاصات ورفع كفاءة الأداء. كما تعكس هذه الزيارة حرص الحكومة على تمكين جهاز الرقابة الإدارية والمالية، وتعزيز دوره في المنظومة الرقابية في مسيرة التنمية المستدامة، وتعزيز دوره في التكامل والشراكة مع المؤسسات الحكومية والخاصة في القضاء على مكامن الفساد في أي منها. ومن المتوقع أن يكون لهذه الزيارة أثر كبير في تعزيز الشراكة بين مختلف وحدات الجهاز الإداري للدولة في حماية المال العام وتعزيز النزاهة، وتجسيد الرؤية الحكيمة لصاحب الجلالة السلطان المعظم في شأن التكامل بين المؤسسات، وإعطاء دور أكبر لجهاز الرقابة في تبنيه لأفضل الممارسات في مجالات العمل الرقابي، وإيجاد الشراكة الفاعلة بين الجهاز والمجتمع العماني.

لقد أصبح كل مسؤول ومواطن في الدولة يؤكد على أهمية دور هذا الجهاز في تعزيز التنمية الشاملة والمستدامة من خلال ما يقوم به من عمليات الرقابة المالية والإدارية والحفاظ على المقدرات الوطنية، وحرصه على التعاون والتنسيق مع مؤسسات الدولة في الكشف أية تجاوزات ومخالفات يحاول البعص ارتكابها بصورة متعمدة. وهذه المهام- بلا شك- تُعزّز من وتيرة مهام العاملين في الجهاز ورفع مستوياتهم لتحقيق القيمة المضافة في أعمالهم والحفظ على الموارد الوطنية من السرقة والضياع والتلاعب.

ولتعزيز دوره، فقد تبنّى الجهاز ووضع خطة وطنية لتعزيز النزاهة ومكافحة الفساد في جميع مؤسسات الدولة؛ لتكون بمثابة الأداة المرجعية في العمل الإداري والمالي للجميع، وذلك من خلال تبنيه لأفضل الممارسات الدولية إلى جانب التزامه بالمتطلبات الواردة في اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد التي انضمت إليها السلطنة عام 2013؛ الأمر الذي يُعزّز من اتخاذ التدابير الرامية لتعزيز أساليب النزاهة ومكافحة الفساد، وبالتالي تعزيز الكفاءة في استخدام الموارد المتاحة في البلاد. ولقد حُدِّدت مدة تنفيذ الخطة الوطنية لتعزيز النزاهة ومكافحة الفساد لتكون خلال الفترة من 2022 إلى 2030، وتشتمل على عدة محاور تتعلق بإيجاد منظومة تشريعية شاملة، والعمل بأداء مؤسسـي كُفء، وإيجاد قطاع خاص نزيه، والعمل بكل شفافية ومشاركة مجتمعـية فاعلة، بالاضافة إلى ضرورة إيجاد تعاون وشراكة فاعلة محلياً ودوليًا.

هذه المحاور- بلا شك- تتطلب مُتابعة يومية للقضايا المالية والإدارية في مؤسسات الدولة، ووضع الأطر الوقائية والعلاجية لها؛ باعتبار أنَّ أي فساد في هذه القضايا سيؤدي إلى إلحاق الضرر ببرامج التنمية الشاملة، وبالتالي التراجع في معدلات النمو الاقتصادي، وتراجع مستويات المعيشة للمواطنين.

ومن هنا يأتي العمل بضرورة وضع أهداف وآليات واضحة يتم من خلالها غرس أخلاقيات المهنة ووضع خطة وطنية لتعزيز النزاهة، وإرساء مبادئ القيم والإدارة الناجحة في أي عمل مؤسسي، مع ضرورة التنسيق وتضافر جهود القطاعين العام والخاص ومؤسسات المجتمع المدني في العمل بأهداف هذه الخطة الوطنية لتعود بمزيد من المنافع على المواطنين والاقتصاد الوطني مستقبلًا.