د. صالح الفهدي
منذ الهجمة البربرية للكيان الصهيوني على غزَّة العزَّة، ومواقفُ عمان السياسية والشعبية مشرِّفةٌ وعظيمة، فقد عبَّر العمانيون بكل حريَّةٍ عن مشاعرهم إزاء قضية العروبة والإِسلام بمظاهراتهم التي كان في مقدمتها المظاهرات الطلابية الحاشدة في جامعة السلطان قابوس (ذكورًا وإناثًا)، حين رفعوا حناجرهم بما يعتلجُ في ضمائرهم مما يجب أن يبوح به المسلم الحر من مشاعر صادقة، وتكررت هذه المظاهرات في العديد من المواقع، كما صدح العمانيون شعرًا، وعبَّروا نثرًا عن دعمهم ومساندتهم.
وفي منابر صلوات الجمعة منذ بدأ الحرب على غزَّة الصمود سخَّرت عمان الخُطب للحديث عن الاستبسال العظيم لشعب فلسطين، وما يعانيه الأبرياء في غزة من هجمات لاإنسانية بل حيوانيةٍ متوحشةٍ همجيةٍ من بشر لا يملكون ضميرًا في الأصل، ثم تختم الخُطب بالدعاء لفلسطين والصلاة على الغائب في كلِّ الجُمع على شهداء غزَّة والضفة الغربية.
ولهذا كانت رسالة كتائب القسام التي تحمل في طواياها التحية منهم لشعب عمان، رسالة مستحقة.
إن لعمان مواقفَ إزاء القضية الفلسطينية لا تُعلم حتى من قِبل الفلسطينيين أنفسهم؛ إذ يخبرني الفاضل/ علي بن إبراهيم الرئيسي الرئيس السابق للهيئة العمانية للأعمال الخيرية أَن شخصية فلسطينية يعيش في عمان منذ أكثر من 30 عامًا مرَّ في يومٍ من الأَيام على مشروعٍ في فلسطين فوجدَ لوحة مكتوب عليها "بدعمٍ من حكومة سلطنة عمان"، فقال: لم أسمع عن دعمٍ عماني لفلسطين وأنا أعيش في عمان أكثر من ثلاثين عامًا. ويضيف رئيس الهيئة السابق: أن عُمان حين دعمت أحد المشاريع تحدَّث عنها سفيرها لدى عُمان في وسائل الإعلام، فتم إِبلاغه بأَنَّ عمان لا تفعلُ ذلك من أجل "دعاية إعلامية" وأنها تفضِّل عدم الحديثِ عن أيِّ دعم إنساني منها، وفي موقف آخر فإن السلطان قابوس رحمة الله عليه قد تبنَّى رعاية ألف يتيمٍ من أبناء شهداء فلسطين دون علم الهيئة العامة للأعمال الخيرية.
هذه هي عُمان الخير حين تقدِّم العطاء لا تقدم للمراءاةِ والمباهاة وإِنما تقدِّمه لأجل وجه الله الكريم، ثم لأن القضية الفلسطينية ليست قضية أرضٍ مسلوبة، وشعبٍ مهجَّر، وإنما هي قضية محورية في الهوية العربية الإسلامية، فنضال شعبها لاسترداد حقوقهم المشروعة هو حقُّ إنساني سامي، ثم إن الكيان الصهيوني لن يتوقف عند نقطة معينة، فالجشع اليهودي المعروف شبقٌ نهمٌ لا يشبع، بل أنه يتمدَّدُ دون توقف، ومن ظنَّ أنه مستكفٍ بما سَلبَ من أرضٍ فهو لا يعرفُ عقلية الصهاينة، ومن أدنى اليهود وقرَّبهم فهو لا يعي مخططاتهم البعيدة المدى كما حصل مع فلسطين!.
هؤلاء لا يبحثون عن موطئ قدمٍ لهم في فلسطين وحسب بل وفي سائر أوطاننا، فما إن تطأ أقدامهم في بلدٍ معين حتى يبحثوا فيه عما يمكن أن ينسجوا كذبة تاريخية حوله، وهكذا قاموا على الأساطير، ولفَّقوا توراتهم بما شاؤوا من الأساطير وحشوا عقول أبناءهم بالأساطير، حتى استفاق بعضهم ورأيناه يدحضُ الأساطير بنفسه بعد صحوة ضميره إزاء ما يراه من تنكيلٍ بالأبرياء وقتلٍ متعمدٍ للأطفال!
عمانُ لها في التاريخ مواقفَ خالدةٍ إزاء القضية الفلسطينية، فها هي المواقف السياسية لا تنتظرُ مواقفَ جماعية، ولا قرارات موحَّدة، وإنما تتخذُ عمان موقفها من منع تحليق طيران الكيان الصهيوني في سمائها الشريف، ثم تعلن عن مواقفها السياسية العظيمة التي كانت آخرها مطالبات وزير خارجية السلطنة بوجوب محاكمة إسرائيل على جرائمها البشعة، التي أدانها بأقسى العبارات.
ستظلُّ عمان قيادةً وشعبًا متحدَّة مع الموقف الباسل العظيم للشعب الفلسطيني المناضل حتى استرداد حقوقه المشروعة، وعودة الفلسطينيين إلى أراضيهم وديارهم التي شرِّدوا منها؛ هذه المواقف العظيمة لدولتنا العظيمة هي ما يُعلي من فخرٍ أبنائها بها، واعتزازهم بالإنتماء إليها، لأنها تقفُ مع الحق ضد الظلم، ومع العدل ضد الإجحاف.