تحية إلى الدبلوماسية العُمانية

حاتم الطائي

الموقف العُماني الداعم لقضية فلسطين أصيلٌ ومُتجذرٌ في العقيدة الدبلوماسية

العدوان الإسرائيلي التدميري على غزة يؤكد بشاعة الهمجية الصهيونية بغطاء أمريكي

نشعر بالفخر والاعتزاز لمُطالبة عُمان بمحاكمة دولية للاحتلال على جرائم الحرب

 

ما تفتأُ سلطنة عُمان تُؤكد على ثبات مواقفها ورسوخ عقيدتها الدبلوماسية فيما يتعلَّق بالقضية الأولى والمحورية والأساسية في عالمنا العربي؛ قضية فلسطين، ذلك الجُرح الغائر في جسد الأمة، الذي ينزف منذ أكثر من 75 عامًا، دون أن يجد من يُداويه، أو يمنع نزيفه المُستمر، أو يشفي علله والتي تفطر القلوب وتمزق الضمائر الحيَّة تمزيقًا.

عُمان وعلى مرِّ تاريخ هذه القضية المأساوية، تتبنى بقوة موقفًا واضحًا لا لبس فيه ولا تردد، موقفٌ قائمٌ على مبادئ صلبةٍ وقيمٍ ومسؤوليات وطنيةٍ وعروبيةٍ مستقرة كجبلٍ راسخٍ، وأصلها ثابت في جذور الوعي العُماني بعدالة هذه القضية المُرتكزة على الحقائق التاريخية الدامغة التي لا تقبل التشكيك أو الطعن، وفرعها سامق في سماء الإنسانية التي تُؤمن بحق الشعوب في تقرير مصيرها، ورفع نير الظلم عن أمّة فلسطين التي تتجرع ويلات البربرية الصهيونية وتكتوي بنيران الهمجية الإسرائيلية ليل نهار على مدى سبعة عقود ونيف، في ظل تواطؤ غربي لا مثيل له على مر التاريخ، وضعف وخذلان إقليمي لم نجد له شبيهًا.

غير أنَّ سلطنة عُمان، رائدة دبلوماسية التعايش والسلام، تُغرِّد منفردة في السرب الإقليمي، حمايةً ونُصرةً ومؤازرةً للشعب الفلسطيني المُحاصر والمُستضعف في أرضه المُغتصَبَة، فمنذ اللحظات الأولى لبدء العدوان الإسرائيلي التدميري على قطاع غزة والأراضي المُحتلة بأكملها، نددت وشجبت ورفضت المُمارسات اللاإنسانية القبيحة التي تقترفها قوات الاحتلال الإسرائيلي دون هوادة بحق الشعب الفلسطيني الأعزل، وقد دعت بلادُنا مرارًا وتكرارًا لضرورة الوقف الفوري لإطلاق النار، وإطلاق سراح جميع الأسرى، والبدء العاجل في مفاوضات السلام، والدفع بكل قوة نحو حل الدولتين، وهو الذي سيضمن حماية أرواح الشعب الفلسطيني، ويصون الأرض المُقدسة، ويُوقف شلالات الدماء المنهمرة تحت مرأى ومسمع العالم.

لقد برهنت عُمان ثبات موقفها تجاه القضية الفلسطينية، في وقتٍ عزَّ فيه الثبات، وخارت فيه همم الدول والحكومات، وشاع الوهن في الجسد العربي، وكشف الغرب دون مواربةٍ عن وجهه الحقيقي الذميم دون حُمرة خجلٍ أو لحظة استحياءٍ، فأخذ يُردد دون وعي وبلا تمحيص الأكاذيب الصهيونية، وأخذ يتداول الضلالات الإعلامية الإسرائيلية كعلكةٍ يمضغها أمام الشاشات وفي مجلس الأمن، الذي يُفترض به حماية الأمن والسلم والاستقرار في العالم، إلّا إنَّه سقط في مستنقع التآمر الصهيوأمريكي الأوروبي، وانزلق إلى مجارير البشاعة الإسرائيلية.

الدبلوماسية العُمانية تحلّت بالجرأة والإقدام في التعاطي مع الحرب الشنيعة على الشعب الفلسطيني ومواجهة الصلف الإسرائيلي المتعطش للدماء، فكانت عُمان الدولة الأولى في العالم التي تدعو لإجراء تحقيق مستقل في جرائم الحرب الإسرائيلية، ومحاكمة زبانية الاحتلال أمام المحكمة الجنائية الدولية، فما أشجعه من موقف، وما أجرأه من قرار. وهذه الدعوة العُمانية العادلة، تُؤكد أنَّ السياسة الخارجية لعُمان تستند في جوهرها على قيم العدالة والحق والخير، ورفض الشر والعدوان ومحاربة الظلم بكافة أشكاله. ويكفينا فخرًا أن الدعوة انطلقت على لسان معالي السيد بدر بن حمد البوسعيدي وزير الخارجية، الدبلوماسي المُخضرم، الذي سلك دروب الدبلوماسية وخبر دهاليزها، على مدى عقود، وهو المُفوَّه بلسانٍ عُمانيٍّ مُبينٍ، الناطق بالحق والمُدافع بإخلاص ويقين صادق عن عروبة فلسطين وحق الأشقاء الفلسطينيين في إقامة دولتهم المستقلة والعيش بسلامٍ وأمان على أرضهم، دون مخاوف القتل والتدمير أو التهجير القسري.

إنَّ مشاعر الفخر والاعتزاز تحدو كل عُماني وعُمانية، عندما نُطالع بيانات وزارة الخارجية، التي تُعبّر بصدق عن ثوابتنا الدبلوماسية، وتعكس تطلعات الشعب العُماني، وتتبنى آراءه، وتترجم مشاعره الجيَّاشة تجاه قدس الأقداس فلسطين الحُرّة. ولم تكتفِ عُمان بالخطاب الصادق والضغط الدبلوماسي المُتواصل، لكنها تُشارك بفعَّالية في المحافل الإقليمية والدولية، المؤيدة لحقوق الشعب الفلسطيني والرافضة للعدوان الإسرائيلي المُدمِّر.

ولقد كان المطلب العُماني على لسان معالي السيد وزير الخارجية- ثم لاحقًا في بيان رسمي- بضرورة محاكمة الاحتلال الإسرائيلي أمام المحكمة الجنائية الدولية بتهم ارتكاب جرائم حرب وجرائم إبادة بحق الشعب الفلسطيني، مبعثًا للفخر والاعتزاز بالموقف العُماني الصلب والعنيد في مواجهة الصلف والهمجية الإسرائيلية، فقد شعرنا- وشعر معنا أحرار العالم- بأنَّ هذا هو المطلب الحقيقي الذي يجب أن يجد صداه لدى المجتمع الدولي، فما يحدث من جرائم شنيعة تقشعر لها الأبدان يستدعي إنزال أشد عقاب على هذا المُحتل الغاصب الذي يُدمّر كل شيء، ولا يكتفي بزهق الأرواح؛ بل يمحو أحياءً ومناطق سكنية بالكامل، ويستهدف تنفيذ تهجير قسري لسكان غزة ثم الضفة، ومن ثم تصفية القضية الفلسطينية. لكن الدبلوماسية العُمانية أكدت رفضها التام لهذا الإجراء، وهو موقف عروبي مُشرِّف.

ويبقى القول.. إنَّ الدبلوماسية العُمانية الرصينة والقائمة في أساسها على ثوابت وطنية، حسمت أمرها وأكدتْ دومًا حتمية وقف هذه الحرب الغاشمة وإنهاء حصار الشعب الفلسطيني، وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وفق مقررات الشرعية الدولية وقرارات الأمم المتحدة والمبادرة العربية، علاوة على مطالبتها بإحالة قادة الاحتلال الإسرائيلي لمحكمة الحرب في لاهاي، تحقيقًا للعدالة الدولية وإرساءً للقانون الدولي لا قانون الغاب الذي تُطبّقه إسرائيل ومن يدعمها.. ومن المؤكد أنَّ العدالة ستسود يومًا والحق سيعود لأصحابه، والعدو سيندحر تحت أقدام الأبطال الشرفاء.