المعلم أولًا

جابر حسين العماني

jaber.alomani14@gmail.com

 

سخروا أوقاتهم الثمينة لخدمة مجتمعاتهم وأوطانهم، كانوا ولا زالوا يهتمون بتربية الأجيال وصناعتها وحفظها من الضياع، نقلوا العلم ومعارفه ومهاراته وأدواته للأجيال، وعم بإخلاصهم وتفانيهم النجاح والتفوق والإبداع ربوع أوطاننا العربية والإسلامية، هدفهم صناعة الإنسان الواعي، والسير به نحو حياة أفضل، مسخرين إمكانياتهم لخدمة وازدهار أوطانهم ومجتمعاتهم بل والإنسانية جمعاء، أولئك هم المعلمون والمعلمات، حجر الأساس وقوة المجتمع، والساعون في بناء الشعوب الراقية والمتعلمة بنور العلم والفهم.

المعلم هو أساس العملية التعليمية في المجتمع البشري، لذا ينبغي على المجتمعات والحكومات احترامه وتقديره وإجلاله، والاهتمام البالغ بتأهيله وتحفيزه ودعمه بما يحتاج، ليستطيع تقديم الأفضل والأجمل للأجيال، والارتقاء بكفاءاته ليكون قادرا على أداء وظيفته ومهامه المناطة به على أحسن وجه ممكن، وذلك من خلال المكافآت والمحفزات التي يجب تقديمها إليه عرفاناً لما يقدمه من جهود جبارة في خدمة وتربية الأجيال وصناعتها، وكما قال الشاعر الشهير أحمد شوقي:

قُم لِلمُعَلِّمِ وَفِّهِ التَبجيلا // كادَ المُعَلِّمُ أَن يَكونَ رَسولا

وعندما نتأمل الجوائز العالمية والمحلية التي تمنح من أجل المعلم المتميز، نجد دولًا وحضارات كرمت المعلم ورفعت من شأنه، وجعلته حجر الأساس لبناء المجتمع والحضارة الإنسانية، أمثال مؤسسة فايركي جيمس التي خصصت جائزة دولية كبيرة بلغت قيمتها مليون دولار أمريكي من أجل المعلم المتميز، وسلمت الجائزة في نسختها الخامسة لعام 2019 للأستاذ "بيتر تابيشي" - من كينيا - لمساهماته الجبارة في إعانة ودعم الفقراء والمساكين، وتخصيص ما يقارب الـ80% من دخله الشهري لتلك الطبقة الفقيرة.

يا ترى هل دولنا العربية والإسلامية رصدت جوائز تعلي بها من شأن المعلم؟ بحيث تعزز من قدراته وكفاءاته كما هو الحال في بعض الدول الغربية والأجنبية أم أكتفينا بالتكريم المتواضع الذي قد لا يليق أحيانًا بشأن المعلم؟

وإلى جانب الجوائز هناك يوم مخصص للمعلم وبالرغم من أنه يوم احتفائي يفترض أن يكون له دور في تبجيل المعلم ورفع معنوياته، إلا أنه لدى البعض هو يوم في واقعه عابر لا يستتبع سوى غصة في قلوب المعلمين.

ولذا فإن المطلوب من وزارات التربية والتعليم في الوطن العربي والإسلامي مضاعفة اهتمامها بأحوال المعلمين والمعلمات، وتحسين أوضاعهم، وتخصيصهم بالامتيازات، وحل مشاكلهم، وعدم ارهاقهم بالأعمال الإضافية ليتمكنوا من العمل بجودة وإخلاص وتفانٍ من خدمة أوطانهم ومجتمعاتهم.

ما أجمل أن تسعى دولنا العربية والاسلامية مشكورة لرفد المعلم بدورات تعليمية، إلى دول متقدمة علميا ليتمكن المعلم من كسب الكثير من المهارات العلمية، كما هو الحال في بعض دول العالم مثل الدولة الألمانية فهي من الدول التي لا تقبل ممارسة المعلم لمهنة التعليم إلا إذا كان حاصلا على الشهادة الجامعية وخاضعا للدورات والخبرات التأهيلية المختلفة، ليتم من خلال كل ذلك إعداده كمعلم مسؤول على تعليم وتثقيف الأجيال، وهكذا ينبغي أن يكون شأن المعلم في أوطاننا العربية والإسلامية، حتى إذا عاد إلى وطنه عاد وهو يحمل الخبرات والكفاءات العلمية العالية التي يفيد بها أبناء الوطن، وبذلك نستطيع صناعة مجتمع علمي يبني حياته على حب العلم والإبداع والابتكار العلمي، قال تعالى: "يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ" (المجادلة: 11).

كم نحن مدينين للمعلم، فلولاه لم نستطع قراءة حروف لغتنا العربية العظيمة أو حتى عد الأرقام وكتابتها على الألواح الصغيرة والكبيرة، فهو في مقام الأمهات والآباء، يرسم خارطة الأخلاق والعلم النافع ليبثها في نفوس الجميع بأسلوبه الراقي، فهو بحق موسوعة علمية يجب دراستها والاستفادة منها وتكريمها على الدوام.

أخيرًا.. لا بُد وأن نُري المعلم بعض مكانته من خلال سلوكنا، ومن ذلك ما ورد عن الإمام علي بن أبي طالب قال: "قُمْ عَنْ مَجْلِسِكَ ِلأبِيكَ ومُعَلِّمِكَ وإِنْ كُنْتَ أَمِيرًا".