أين سخرت وقتك؟

 

خليفة بن عبيد المشايخي

khalifaalmashayiki@gmail.com

 

الوقت نعمة من نعم الله سبحانه وتعالى علينا، وحينما نستغله فيما يرضيه عنَّا كالمواظبة على صلاة الفجر في المسجد جماعة، وقراءة القرآن وملازمة الأذكار، مطبقين على الدوام سنة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم بانضباطنا في لبسنا ومظهرنا وسلوكنا وقولنا وفعلنا وعملنا، وفي تقيدنا بما أمرنا به تعالى ورسوله الكريم ما استطعنا إلى ذلك سبيلا، فإن ذلك يعد نهجا يوصلنا إلى الهداية والى إصلاح أنفسنا، ويمهد لنا الطريق إلى الاستقامة والانتهاء عما نهينا عنه.

ومن تلك النواهي أن لا نكون مسبلي الثوب، فإسباله يعتبر من الخيلاء والبطر والكبر، ومخالفاً لسنة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم التي أمرنا باتباعها، فما آتاكم الرسول فخذوه، وما نهاكم عنه فانتهوا. في أحيان كثيرة يشعر المرء منا بسعادة كبيرة تغمره، وبراحة عظيمة تملأ قلبه وتعتريه، وتبهج نفسه وحياته، وتعصمه من التيه ولا تزدريه، وذلك حينما يكون مع الله تعالى مسخرا أوقاته كلها له، ليكون هذا الإنسان من الداخل نقيا سخيا، وظاهره كباطنه طاهرا وأبيض تقيا، لا يحمل قلبا أسود قاسيا، ولا يجنح إلى ركن في نفسه عاصيا، وليس به ذرة من كبر خاسيا، فإنه عقب ذلك سيرى الحياة جميلة، وسيرى في هذا الكون سعادة وإعجازا ربانيا، وإبداع خالق رحيم.

ومع هذا الحال، فإنه سيزداد خشية منه تعالى وخضوعا له وتواضعا لعباده، ويفترض أن يزيد من ذلك عندما يجد نفسه مستفيدا من وقته بحرية تامة، ليس مقعدا أو حبيسا من مرض أو من سقم أو سجن أو توقيف، يمارس حياته بشكل طبيعي، مكتملا مشهده هذا قانعا بما أتاه الله عز وجل، مستبشرا بالخير، ومتطلعا إلى غد أفضل، متنعما بدوام صحة وعافية وسلامة، متذكرا ومتأسيا بحديث النَّبِي محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الذي قال فيه "مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي سِرْبِهِ مُعَافًى فِي جَسَدِهِ عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا بِحَذَافِيرِهَا".

وفي هذا السياق أود الإشارة والتحدث في هذا المقال عن ظاهرة من وجهة نظري سيئة وليست جيدة إطلاقا، وفيها مضيعة للوقت والجهد والمال، وهي ظاهرة تجمع عدد من الناس كل صباح ومساء، أمام أحد البيوت أو أمام المقاهي والمطاعم والمحلات التجارية، يدخنون السجائر ويمضغون التمباك، ويقضون أوقاتهم في ممارسة لعب ولهو وفساد واضح، وحشد الكثير من السيئات. إن في تلك الجلسات غالبا ما يأكلون لحوم البشر، فيتنابزون بالألقاب ويتحدثون فيما بينهم عن أعراض الناس، ويتناولون فيها ومن خلال أحاديثهم زلاتهم، ويخفون حسناتهم وخيراتهم، يخوضون في خصوصياتهم ومشاكلهم وأحوالهم وأوضاعهم، يدخلون حتى في بيوتهم ويكشفون عوراتهم ولا يسترون سيئاتهم، يراقبون السائر والجاي، سواء رجالا أم نساء، يتهامسون فيما بينهم، ويتمتمون بما لا يرضي رب العباد، ينظرون إلى فلانة وفلان، ويضعون وزرا عن علان وعلانة، ويحملون على ظهورهم وفي رقابهم زورا وبهتانا أحمال من يغتابونهم من الناس.

إن الله تعالى خلق في النفس سُوءًا مصداقا لقوله تعالى إن النفس لأمارة بالسوء؛ فالنفس تأمر صاحبها بالسوء وبالحقد وبالحسد وبالشر وبالكراهية وبالشرك وبعدم حب الخير وفعل الخير، وبعدم قبول الحق وبالتعلق بغير الله وباللجوء إلى غير الله، فإذا جاهد الإنسان نفسه وظهرها وزكاها بالتربية الإيمانية، فإنه سياتي عنده التوحيد والتعلق بالله وحده سبحانه وتعالى، فبالثبات والاستدامة والمداومة والاستقامة على مجالس العلم والوعظ وحلقات الذكر والمدارسة وسماع كلام الدين والإيمان باستمرار، وتصبير النفس في هذه البيئات مع الاعتصام بالصحبة الصالحة، كل ذلك سيصب في الوعاء أي القلب، الذي من مصابه السمع والبصر، أي الاستماع والنظر، عندها فإن هذا القلب سيصلح وبصلاحه سيصلح الجسد كله، وهذا أفضل من الجلوس في أماكن تكسبنا سيئات وذنوبا ومعاصي.

حقيقة لا يجب أن نستغني عن الله حتى لا يستغني عنا، وتربية النفس وتزكيتها وتهذيبها وإصلاحها على الفضيلة والمحاسن والمكارم وعلى العبادات وقراءة القرآن وعلى التعلق بالله والدار الآخرة والأعمال الصالحة وعلى التوحيد والإيمان واتباع النبي صلى عليه وسلم، أمر فيه فوزنا وفلاحنا.

إن التعلق بالله تعالى مسار وتوجه سينفعنا بعدما تغادر الروح الجسد، فلنشمر بارك الله فيكم، ونكافئ ونكرم أنفسنا بجعلها متعلقة بخالقنا العظيم.

تعليق عبر الفيس بوك