السابع من أُكتوبر

 

د. صالح الفهدي

أَكرمنا اللهُ بأَن نشهدَ في أعمارنا ما حدث في هذا اليوم العظيم؛ السابع من أُكتوبر المجيد، تاريخٌ أَعادَ هيبةَ العرب والمسلمين للعالم، وأثبتَ شجاعتهم الأصيلة في وجه البغي والطغيان.

السابع من أُكتوبر المجيد أَثبتَ أَنَّ جمرة الإباءَ والنخوة والعزَّة والكرامة لم تنطفئ وأَنها كانت متوقّدةً تحتَ الرَّماد؛ فالأرضُ الساكنةُ لا تعبّرُ عمَّا في جوفها من ثورانٍ، وغليان. وكمثل حمم البراكين التي تغلي في جوف الأرض، كان المقاومون المجاهدون من أهل غزَّة من فصائل عزّ الدين القسَّام وسرايا القدس تحت الأَرض يفورون غضبًا لما يحدثُ في الأَقصى الشريف من نجسٍ ورجسٍ وامتهان من أقذار اليهود الغاصبين، وما يحدثُ في فلسطين السليبة من امتهانٍ وإذلال.

السابع من أُكتوبر المجيد يومٌ ليس له يومٌ شبيهٌ قبله، وبعون الله له يومٌ شبيهٌ بعده، فقد كشفَ عن هشاشة الكيان الغاصب، وعن وهم أُسطورة قوَّته، وتسليحه، وعظمة جيشه، وإجرام "شاباكه" و"موساده"، وعرَّى ارتباكَ قادته، وتخلخل منظوماته، وعوار مؤسساته، وجبن جنوده وخواء متطرفيه.

السابع من أكتوبر المجيد لا يصدقُ عليه صفة "اليوم الأَسود" لإسرائيل لأن السواد أشرفُ من أن يوصفَ به الحدث؛ بل هو يومٌ الخزي والعار والانتكاسة المريرة، والإذلال المقيت لمحتلٍّ غاصبٍ هجَّرَ السكان، ودمرَّ الأرض، وقتل الأطفال والنساء والرجال، ونجَّس المُقدسات الشريفة، وسلبَ وطنًا شريفًا من أهله بتواطؤ قوى الرجعية والتخلف الإنساني.

وليس التاريخُ ببعيدٍ عن السادس من أكتوبر يومَ أن باغت الجيشان المصري والسوري الاحتلال الإسرائيلي عام 1973، فحققوا الإنجازات المبهرة على دولة الطغيان؛ حيث عبرت القوات المصرية قناة السويس، وهدمت خط بارليف وتوغَّلت عشرين كيلومترًا شرقًا داخل سيناء، في الوقت الذي تمكنت فيه القوات السورية من التوغل إلى عمق هضبة الجولان وصولًا إلى سهل الحولة وبحيرة طبريا.

إذن يبدو أنَّ إسرائيل لا تؤتى في مأمنها إلّا بعنصر المباغتة والمفاجأة، حيثُ يحسبُ المحتلُّ أَنه قد أحاط نفسه بسورٍ شاهقٍ لا يؤتى من أسفله أو من أعلاه، فيأمنُ على نفسه، وعلى رقصه، وعربدته، وسكْره ونشوته، فوق رفات أصحاب الأرض الذين دفنتهم دباباتهم ومركباته، حتى جاءهم النذير المبين من الأرض والسماء؛ شُهبٌ تتطايرُ  كأنها الجمر الملتهب، ذكرتنا بقول  بشار بن برد:

كأن مثار النَّقع فوق رؤوسنا// وأسيافنا ليل تهاوت كواكبه

وإذا بجند الله البواسل وهم يعانقون أرضهم المغتصبة، ويصافحون زيتونهم المختطف، ويشمُّون شذى آبائهم وأجدادهم في الوهاد والأُكمات، فيهرعُ الغزاةُ الطغاةُ الجبناء الذين كانوا في رقصهم يعربدون، كالنعامات الفارَّة، وتتساقطُ الأَبراج المحصنة، ويتطايرُ الشرر من كل مكانٍ، وتتهاوى حصون البغاة الأنذال. آلا أنه من يومٍ من أيام الله الكريمة التي لن ينساها التاريخ، بل سيحفرها في ذاكرة الزمن حفرَ فخرٍ واعتزاز بأعظم مقدرات هذه الأُمة؛ إبائها، وعزتها، وشموخها التي تتوارثها جيلا بعد جيل.

فمن صنعَ هذا اليوم؛ يوم السابع من أكتوبر؟ صنعُه شبابُ هذا الجيل الذي لم تغوه الضلالات الرخيصة، والشهوات الزائفة، والرغبات العارضة، والتفاهات النزقة، بل أعظمته الهمة العالية، والإصرار العنيد، والإرادة القعساء ليستردَّ أرضه، ويستعيد كرامته، ويعيد للأُمة عنفوانها وحريتها المسلوبة.

فلنفخر بالسابع من أكتوبر جميعنا نحن العرب والمسلمون، فهو لنا جميعًا: عزَّةً، ونصرًا، وكرامةً، وهديةً من الله، ولنعتز بما فينا جميعنا من نخوة متوقدة، وشهامة باسلة، وعزة حيَّة، برهنَ عليها شبابُ القسَّام.