الشيطان الأكبر يتنزه في غزة الأبية!

 

محمد بن رضا اللواتي

mohammed@alroya.net

 

عندما رفض كولن باول وزير الخارجية الأمريكي الأسبق وصف مؤسس الجمهورية الإسلامية في إيران للولايات المتحدة بأنها "الشيطان الأكبر"، قال في دفاعه: "نحن لسنا الشيطان الأكبر، وأعتقد أننا الحامي الأكبر لنظام قيم كوني"! إلّا أنه سرعان ما عاد يقود الجيوش إلى العراق لغزوها، هذا بعد أن ألقى خطابًا في مجلس الأمن يُدافع فيه بحرارة عن قرار غزو بلاده للعراق، ثم عاش شكوكًا في آخر عمره أكثر من أي وقت مضى على صدق الدلائل التي ساقها في خطابه ذاك!

حينها، كان قد قال للعراقيين في مُؤتمر صحفي: "نحن لسنا مُحتلين. لقد جئناكم كمحررين!" ليرد عليه إدوارد سعيد قائلًا: "إنَّ كولن باول في خطابه للأمم المتحدة والهادف لسوقها إلى الحرب قد بلغ الحضيض من الرياء الأخلاقي والغش السياسي".

الحامي الأكبر لنظام كوني للقيم نراه اليوم منهمكاً في لعق دماء أطفال غزة الجريحة!

لقد كان على العالم أن ينتظر كثيرًا حتى يتأكد من صدق وصف الولايات المتحدة بالشيطان الأكبر، وكان الزميل المكرم حاتم الطائي في مقاله المنشور في هذه الجريدة الغراء بعنوان "عودة العدوان الثلاثي" على غزة، قد وصف من يُعادي الفلسطينيين بالشيطان الأعظم الذي يُدمر هذا الشعب الأعزل السليب بأكثر من 4 آلاف طن من المتفجرات عبر الغُدة السرطانية التي زرعها في قلب الشرق الأوسط والمسماة إسرائيل.

هذا هو قدر الولايات المتحدة، كما وصفها تمامًا هارت بنتون في خطاب كان قد ألقاه أمام مجلس الشيوخ عام 1946 قال فيه: "إن قدر أمريكا الأبدي هو الغزو الأوسع، إنها مثل عصا هارون- يقصد موسى- التي صارت أفعى، هكذا ستغزو أمريكا الأراضي، ذلك هو قدرها المتجلي". (انظر: أمريكا والانهيار الحضاري حقيقة أم وهم؟ خباب مروان الحمد ينقله عن: أمريكا التي تُعلمنا الديمقراطية والعدل للدكتور فهد العرابي ص28).

غزة الأبية اليوم تشهد تنزه الصهاينة على أجساد رجالها العزل ونسائها وأطفالها بتشجيع ودعم كامل من أمريكا، والعجب أن ذلك لا يزال يُذهلنا ويُحيرنا! كأننا ما قرأنا تاريخ جرائم هذا البلد وشدة هوسه بسرقة مقدرات البلدان والاستيلاء على ثروات الأمم وحصار العالم لأجل مصالحه، بل والقيام بأبشع الجرائم المروعة التي يندى لها جبين الإنسانية.

كتب جيف سيمونر في كتابه "حرب الخليج وحرب العراق" يقول: "أعرف مراقبين غربيين أصيبوا بالكآبة والانهيار العصبي بسبب ما شاهدوه من التعذيب الأمريكي لأطفال العراق". (انظر خباب الحمد ينقله عن: رسالة من مكة للدكتور سفر بن عبد الرحمن الحوالي ص45).

لا تزال الذاكرة حُبلى ببعض تلك الصور- من مجموع ألفي صورة- التقطتها كاميرا الجندي الأمريكي جوزيف داربي لجرائم الأمريكان في سجن أبو غريب، من قبيل صور الإجبار على ممارسة الشذوذ، وصور اغتصابٍ للفتيات الصغيرات، وصور لمصرع 60 طفلًا عراقيًا بعد تقطيع أطرافهم، وصور لوفاة العديد من النساء العراقيات بالصدمة بعد إطلاق الكلاب عليهن للتحرش الجنسي بهن.

لقد مورست في ذلك السجن- الذي يرمز اليوم إلى وحشية ولا أخلاقية الولايات المتحدة- 12 أسلوبًا للتعذيب النفسي، مقترحة من قبل البنتاجون، ناهيك عن الاغتصاب العلني الجماعي للمعتقلات العراقيات. (راجع: أمريكا والانهيار الحضاري حقيقة أم وهم؟ خباب مروان الحمد).

لم يعد اليوم يشك أحدٌ أن وصمة الشيطان الأكبر تليق بالولايات المتحدة على نحو غير مسبوق في التاريخ، وها هي هذه الأيام سارعت بتحريك أشد سفنها الحربية فتكًا باتجاه شعبٍ يُعاني منذ عقود من التشرد والقتل وسفك الدماء وهدم المنازل وإباحة الحرمات، فيما وزير دفاعها منهمك في التخطيط لقتل العُزل من النساء والرجال والكهول والأطفال، ووزير خارجتها منهمك في التخويف والتهديد بغية تكميم الأفواه وتهديد كل موقف سياسي يفكر في الخروج باللوم على جرائم الأمريكان بلباس الصهاينة شركائهم في العداء للإنسانية.

وليس من المؤسف أن يقف الغرب، هذه المرة وبكل علانية وبلا حياء، في الموقف الداعي لاضطهاد الشعب الفلسطيني الذي ينزف اليوم في غزة، إذ لم تكن هي إلا مسألة وقت فقط، وها هو اليوم قد أظهر ملامحه البشعة بكل علانية، فالتظاهرات السلمية المؤيدة لحق الشعب الفلسطيني في أرضه ممنوعة، في بلدان طالما تشدقت بالحريات وبالثقافات والديموقراطيات، من قبيل فرنسا وألمانيا، وغيرها من البلدان، وكانت الأخبار قبل هذه الأزمة لا تكف تنقل هوس هذه البلدان بشن الحروب الثقافية على "الجندر" والتعاطي العنيف بكل من يخالفها الرأي.

اليوم.. سقطت كل الأقنعة، وباتت الحقيقة سافرة، فإمَّا أن تقف مع الدم النازف في البلد الذي يضم على أرضه أولى القبلتين، وإما أن تقف على النقيض من الإنسانية. هذا هو المفرق الجديد والزاوية الحادة التي صنعتها غزّة العزيزة، والتي ستظل عصيّة على العدو إلى آخر نفس.