كيفية إدارة أزمة فواتير الكهرباء من المنظور الأكاديمي؟

 

 

د. محمد بن عوض المشيخي

هذا العنوان أعلاه؛ الذي استهل به مقالي، عبارة عن سؤال طرح على الكاتب خلال استضافتي على إذاعة "هلا إف إم" التي خصصت مساحة لمناقشة أزمة ارتفاع قواتير الكهرباء في هذا البلد العزيز عبر أحد برامجها الجماهيرية المعروفة وذات الانتشار الواسع "كل الأسئلة"، ذلك لكوني سبق أن كتبت مقالي الأسبوعي بعنوان "إدارة أزمة فواتير الكهرباء إلى أين؟!"؛ إذ أتى دوري في التسلسل الأخير في فقرات البرنامج؛ فلم أتمكن من الإجابة على السؤال المطروح بالتفصيل والذي خصص له عشر دقائق فقط.

هذه المشكلة تحولت إلى أزمة؛ لكونها قد تصدرت مواقع ومنصات الإعلام الرقمي، وكذلك شغلت الرأي العام العُماني لعدة أسابيع وأصبحت حديث الساعة إلى هذه اللحظة، فهي بلا شك تحتاج إلى وقت أطول للوقوف على التحديات التي تواجه المشتكين من ارتفاع هذه الفواتير في الصيف التي يمكن تلخيصها عبر الرسائل الموجهة الآتية:

أولًا: المشكلة الأولى تتمثل في اعتقاد القاعدة العريضة من المستهلكين بعدم وجود قراءات حقيقية للعدادات والجنوح إلى الأخذ بالقراءات الافتراضية، مما يترتب على ذلك تأخر المستهلكين في دفع الفواتير وتراكمها على المواطن وانتقالها من الشهر الأول إلى الشهور التالية، فكان يفترض أن يطبق الدعم الحكومي على الفئات التي لا تحتاج لتحديث مثل المواطنين الذين يملكون عدادا واحدا فقط؛ وهم الشريحة الأكبر وهم عاجزون عن دفع فواتيرهم بسبب ظروفهم المادية وبالتالي تعزي الشركة تلك الارتفاعات لعدم التفعيل وتحديث بياناتهم، ومد الشركة بالمعلومات المطلوبة.

لا شك أنَّ تحديث البيانات أصبح قضية كبرى يشتكي منها الجميع وذلك للتعقيدات غير المبررة والروتين الزائد الذي يفترض أن يكون من الماضي في زمن ثورة المعلومات والذكاء الاصطناعي، فعلى سبيل المثال يحتاج المواطن المستفيد من الدعم الوطني أن يوفر قائمة طويلة من المعلومات وعددها 8 عناصر تبدأ بتحديد نوع الحساب وتنتهي بالهاتف الثابت والبريد الإلكتروني.

ويمكن حل مشكلة القراءات الافتراضية إذا وجدت بالفعل بإلزام شركات تحصيل الكهرباء بزيادة أعداد الكوادر العمانية من الشباب للقيام بهذا العمل على ألا تبخس هذه الشركات حقوقهم ومنحهم رواتب مناسبة مقابل العمل الشاق في هذا المجال، وذلك حتى يتم تكملة مشروع نشر العدادات الرقمية الذكية في مختلف مناطق السلطنة في إطار خطط الشركة والذي بدأ بالفعل.

ثانيًا: كان يُفترض من الجهة المنظمة والمشرفة على هذا القطاع والمتمثلة في هيئة تنظيم الخدمات العامة، أن تأخذ زمام المبادرة؛ انطلاقًا من المسؤوليات الأساسية لهذه الهيئة وهو تحقيق التوازن والعدالة بين مختلف الأطراف: المشتركون والحكومة والشركات، وتقوم بإقناع الوزارات المختصة كالمالية والطاقة والمعادن؛ بتخفيض تعرفة الكهرباء بحيث لا تزيد عن المعقول فهو سعر يقترح ألا يتجاوز سعر التكلفة الحقيقي؛ بل يجب أن يضاف إلى ذلك إعادة توجيه الدعم الحكومي للكهرباء بحيث نصل به إلى 30 بالمائة، وذلك لجميع الفئات باستثناء شريحة الدخل المحدود التي يُفترض أن تحصل على 50 بالمائة بدلًا من 30 بالمائة في الوقت الحالي، ويمكن استقطاع ذلك، من الأرباح الطائلة التي تجنيها الشركات ويدفعها في الأساس المستهلك، بحيث يشمل، ذلك ضيوفنا من الوافدين، تفاديًا لوجود سعرين للكهرباء داخل البلد! وهناك عدد لا بأس به من المستثمرين وجميعهم يشتكون من ارتفاع تعرفة الكهرباء.

إذا تحدثنا بلغة الأرقام عن هذا القطاع الحيوي المُهم، نجد الأرباح السنوية لمجموعة شركات نماء أصبحت قياسية، فقد حققت بنهاية عام 2022 أرباحًا بلغت حوالي 140 مليون ريال عُماني، بينما ارتفع إجمالي إيرادات المجموعة بنسبة أكثر من 21 بالمائة ليصل إلى 1.8 مليار ريال عماني. يجب التأكيد هنا على أنَّ هذه الأرباح قد جعلت من الشركات العالمية تتهافت وتتسابق للاستثمار في قطاع الكهرباء في السلطنة؛ فقد نجحت إحدى الشركات الصينية وهي "ستيت جريد" الحكومية في امتلاك 49 بالمائة من إحدى شركات نقل الكهرباء في البلاد وذلك منذ عدة سنوات. كما إن تضخم رواتب القيادات التنفيذية وأتعاب مجالس الإدارات قد تجاوزت الحدود في قطاع يتكبد فيه المواطن معاناة غير مسبوقة وعجزه في كثير من الأحيان عن دفع فواتيره الشهرية وترحيلها للمستقبل، على أمل أن تنفرج هذه الأزمة التي بالفعل قصمت ظهور الغالبية الساحقة من الناس.

وفي الختام.. استبشرنا خيرًا باستجابة مجلس الوزراء الموقر لنداءات المواطنين المتكررة حول ارتفاع أسعار الكهرباء، وقيامه بتكليف هيئة تنظيم الخدمات العامة بإجراء مراجعة شاملة لتكاليف قطاع الكهرباء؛ وإيجاد الحلول المستدامة خلال أشهر الصيف، كما تم التوجيه بزيادة نسبة التخفيض للفئة السكنية من 15 بالمائة لتكون 30 بالمائة، وذلك لشهري يوليو وأغسطس 2023 فقط.

من هنا يجب تذكير الجميع بأن الشهور ذات الحرارة المرتفعة في شمال السلطنة تبدأ من مايو إلى سبتمبر؛ بينما في محافظة ظفار ترتفع الحرارة بشكل قياسي قبل موسم الخريف في شهور أبريل ومايو ويونيو؛ وهذا ما يُعرف بفصل القيظ في ظفار. وعليه نقترح أن يتم تثبيت الدعم الحكومي للحسابات السكنية لـ30 بالمائة لجميع الشرائح؛ بشكل دائم وليس لفصل مُعين فقط، وذلك لتحقيق المساواة والعدالة للجميع.