الحظ.. أم إنها الحكمة؟

 

يوسف عوض العازمي

@alzmi1969

"الحكمة هي أن تضع الشيء في موضعه" ابن رشد.

 

كأي إنسان على سطح البسيطة، تعترضنا متابعات الظروف في الحياة، وتقلبات المنخفضات الإنسانية في تيسير مظاهر الحياة، وقد تؤدي إلى إجبارنا على اتخاذ قرارات شخصية هامة، اتخاذها ليس بالأمر اليسير ولا هو بالشيء المتاح لأي إنسان، الحياة وتيسيرها أشبه بمركب يمخر عباب البحار، وبيده البوصلة لتوجيهها كيفما يشاء، والمعضلة حينما تضطر لتوجيه المركب قسرًا لجهات لا ترغبها بسبب ضغط الرياح الموسمية وتقلبات الجو، حينئذٍ قد يكون في تحركاتك شيء من الحظ، وقد يحسبها الغيرُ حكمةً!

في مسارات الحياة ومتعرجاتها، وتفاصيلها المملة أحيانا والمشوقة في أحيانا كثيرة، تتراءى أمام الإنسان مختبرات القرب وإرهاصاته، والبعد وتبعاته، والإنزواء وتدرجاته، ولا شك مضامين الظروف تؤثر حيثيًا على مستجدات الأوضاع الآنية، وارتباك الجدول اليومي من الأحوال المتوقعة، وانتظار الآتي، واعتبار الآني من المسلمات المسلم بها في خانات الأحيان الوقتية المسار عليها في هذه الحياة الفانية.

سبر أغوار النفس البشرية مرهق، شائكة دروبه، متوجه في الغالب نحو التيه، والحيرة، واضطراب الفكر، وتحولات الأفكار، أحيانًا لا تبدو صورة المشهد كاملة، وتبدأ التوقعات، وتحتار واقفًا بين التيه والرؤية، والتحرك أو التوقف، في مشهد لا تكل منه الحيرة ولا تمل.. هنا لا أحدثك عن ماهيَّات ونوازع أبجديات علم النفس، إنما عن تراكمات الحال الإنسانية المجردة.

في فلسفة العلاقات الإنسانية ليس كل ما يُعرف يقال، وليس كل موجود متاح، وليس الظاهر كالباطن، في لحظات قد تنتهي علاقة عمرها سنين، هذه طبيعة الأمور ودقائقها، أتذكر مرة أنَّ أحدهم قال لي: "العمارة يستغرق بناؤها سنتين، وهدمها في ساعتين".

كم من أعزاء فقدناهم وهم أحياء، هناك من تصدر منه إشارات مفاجئة، تحاول فهمها ولا تستطيع، تقدم العذر ولايمكن ما أمكن، تستطلع الصورة من جهات مختلفة ونفس المعنى متكررًا، لذلك يبقى سبيل الخروج الهادئ هو الحل، وقد يكون في الأمر خير، وسعة في البال، ولا شك مقتضيات الحياة وإرهاصاتها قد تكون عذرًا مقبولًا، وأيضًا قد تكون هي الرأي السديد في مواجهة الواقع.

قال جلَّ في علاه في الآية 19 من سورة المعارج: "إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا"، وكذلك قال تعالى في الآية 11 من سورة الإسراء: "وَكَانَ الْإِنسَانُ عَجُولًا"، في تفسير الآيتين قد ندخل إلى مفاهيم عديدة ولا شك أن التبصر مهم لفهم مقدار الحكمة التي ساقها رب العالمين، في محتوى ومضمون الآيتين، فالإنسان بطبيعته هلوعًا، وكذلك عجولًا.

الأكيد أن الحياة أقصر مما نتوقع، والأكيد أننا كبشر لن ندرك أو يدرك غالبنا المائة وعشرين عامًا (والله أعلم) والنبي صلى الله عليه وسلم قال بما معناه: "أعمار أمتي من الستين إلى السبعين"، لذلك الأفضل أن يعش المرء حياته بطولها وعرضها بما هو مناسب له، وبما لا يتعارض مع الثوابت الدينية، ويتذكر أن الحياة أقل بكثير مما نعطيها من قدر، والدنيا من أسمها دنيا، رفع الله قدرنا وأعز شأننا، وأعاننا على طاعته.

صحيحٌ أن المعاناة قد تتشبث بنا لكننا أما أن نتأثر سلبًا وتتوقف العجلة، أو إيجابًا وتدور العجلة، عش حياتك كما تحب وأينما تريد، واعتزل ما يؤذيك، ما دمت في الأمام لا عليك من هموم الوراء، فللأمام أهله، وللخلف أهله، وأتذكر هنا شطر من قصيدة للشاعر: مساعد الرشيدي (رحمه الله): "كن أولا وإترك مكان اللّي يَلِي للي يَلِي".

لذلك وعطفًا على ما سلف، تمكن في ممكنات الحياة، وتحرك في مساحاتك التي قد يكون في تحركاتك بها شيئا من الحظ، الذي قد يحسبه الغير حكمة ، قال تعالى: "إِنَّ اللَّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ" (الرعد:11).