الهرولة نحو الشرق

 

علي بن سالم كفيتان

تشرفتُ بدعوة كريمة من المكرم حاتم الطائي لحضور أعمال المنتدى العُماني الصيني ضمن مبادرة الحزام والطريق، والذي عقد في ظفار منتصف أغسطس الماضي، واستمتعت كثيرًا بكلمة سعادة السفيرة الصينية التي تلتها باللغة العربية؛ وهي سابقة تحسب لسعادتها التي تحرص على الحديث باللغة العربية التي تجيدها، كما التقيتُ بعدد من وكلاء الشركات الصينية في عُمان والشرق الأوسط.

كانت فعلًا فرصة استثنائية للحوار ومعرفة التوجه الصيني المحموم نحو المياه الدافئة في الشرق الأوسط وأفريقيا، وكعادة مثل هذه المنتديات التي تغلب عليها روح المجاملة للتجارب وتعمل على زيادة الترويج للتعاون الثنائي، فلم يكن هناك تقييم شامل للعلاقات العُمانية الصينية؛ حيث جرى اختيار ما يتوافق من التاريخ التجاري القديم والقفز إلى الوضع الراهن في ظل مُعطيات قوة الصين الزاحفة، للتربع على عرش العالم.

كُنَّا نرى الصين قبل خمسة عقود بشكل مختلف من واقع الدعم الآيديلوجي لثورة ظفار والتغيير في زنجبار، وكنتُ أتوقع الإشارة لتلك الفترة وتحليلها من قبل المتحدثين، وهل كانت إيجابية أم عكس ذلك؟ وكيف تغيرت صورة الصين الشيوعية التي تدعم الثورات الماركسية إلى الحليف الاقتصادي الذي بات الجميع يخطب وده اليوم؟ ما زلت أذكر مُقابلة شيخنا الجليل أحمد الخليلي- حفظه الله- مع قناة الجزيرة، وحديثه عن الشيوعية التي دعّمت الحركة المناهضة للوجود العُماني في زنجبار، وما تسببت به من خسائر، كان شيخنا شاهد عيان عليها، وتعريجه على ثورة ظفار التي انتهجت الخط الاشتراكي في مراحلها الأخيرة، ونظرته لدور المعسكر الشرقي في تلك الحقبة. فما الذي تغير اليوم؟ وكيف استطاعت جمهورية الصين الشعبية أن تتخطى كل تلك المراحل وتقدم نفسها لنا بصورة مُختلفة اليوم؟ هذا النهج يجب أن يُدرَّس في العلوم السياسية وفي ذات الوقت لا يمكننا تخطيه عندما نُقيِّم تجربتنا الاقتصادية والسياسية مع جمهورية الصين الشعبية.

أسهمت الصين خلال القرن الماضي، في تشكيل تجربتين مُهمتين، وهما: تجربة زنجبار وتجربة ظفار، وقد يكون التقييم مختلفًا لو نظرنا له من زوايا أخرى؛ فالصين إلى اليوم لم تترك النهج الشمولي، وترى فيه الحل الأنسب للعالم من واقع توفيره لكل مسببات الحياة والبقاء لحوالي مليار ونصف المليار من البشر، وتنافسية اقتصادية عالية. فهل نحن على استعداد لمواكبة هذا النوع من الآيديولوجيا مثلما سايرنا النهج الرأسمالي الغربي؛ لنكتشف مؤخرًا أنه نهج نفعي لا يتماشى بالكلية مع القيم الإنسانية، رغم تدثره بها، خاصة بعد أن انكشفت النوايا عقب حرب أوكرانيا، والانحطاط نحو قيم الرذيلة التي تدعم المثلية وغيرها.. والسؤال الذي يفرض نفسه هنا لماذا التوجه نحو الشرق؟

يتبينُ لي أن كلا الكتلتين تنظران لنا من منظور النفط والغاز، لا غير، وكليهما يتسابقان للظفر بالنصيب الأكبر، فبعد أن استثمر الغرب تلك المقومات قرابة القرن، جاء دور الشرق على ما يبدو! فهل لدينا تقييم واقعي للمرحلة ونمتلك القوة الكافية لفرض نظام جديد يوازي الصراع بين الشرق والغرب وتقديم نهج اقتصادي معتدل بثوبٍ جديدٍ يتواكب مع متطلبات الصراع؟

نعتقد أن هناك بعض التجارب التي يجب دعمها؛ كالتجربة التركية التي ارتكزت على النهج الإسلامي، وقدمت نفسها كنمط مستقل يحاول إيجاد منظومة ثالثة في العالم، ولقد بيَّن الصراع الأوكراني الروسي نجاعة التوجه الذي تقوده الجمهورية التركية، ومناورتها بين النظام الشمولي في روسيا والصين، والرأسمالي الغربي، والنفعي الذي تقوده الهند، فهل لدينا القناعة لدعم نظام ثالث تكون فيه الكلمة الطولى لنا؟

الصين- مثل أي دولة- تهمها مصالحها، واليوم ترتكز معظم تلك المصالح في قلب العالم (الشرق الأوسط) بعد أن مدت نفوذها إلى القارة السمراء واستطاعت التواجد بقوة هناك؛ فالصين بضخامة اقتصادها تحتاج إلى المواد الخام المتوافرة في أفريقيا، وانتهجت القوة الناعمة البعيدة عن العنف للحصول على مبتغاها.

تقود اليوم بلداننا قيادات شابة ومُلهمة تعرف كل ما يدور في العالم، لذلك رأينا في اجتماع مجموعة العشرين في جمهورية الهند، مؤخرًا تقديرًا بالغًا من القوة العظمى في العالم (الولايات المتحدة الأمريكية) لدور دولٍ مثل الإمارات العربية المتحدة، والمصافحة التاريخية بين الرئيس جو بايدن وولي عهد المملكة العربية السعودية الأمير محمد بن سلمان، فهل نحن على موعد لكي نصبح ندًا لتلك الأمم؟ هذا ما نأمله.