خلف كواليس "المبادلة"

 

سالم بن محمد العبري

 

بالصدفة كنت أتأهب للخروج من بركاء إلى مسقط لقضاء زيارات وأعمال، فإذا الهاتف يرن وعليه صوت الأخ محمد الكندي الإعلامي والتلفزيوني والسينمائي قائلاً: إلى أين أنت ذاهب؟ أظن أنَّ لك موعدا مع دكتور إدريس ميا السفير السوري، قلت: نعم مع الواحدة، قال المخرج الكندي لأنه اشترط علينا أن ننهي التزامه معنا في الثانية عشرة والنصف ظهرا، واقترح أن تشاركنا حضور العرض، قلت معنى ذلك أن اليوم سيقتصر عليكم وزيارة السفير.

قال فليكن، قلت: هل لي بموقع السينما، هل في قصر النيل أم في ريفولي، قال ألم تغادر خلدك ولسانك، قلت: كيف يذهب بهما الزمن وهما مراكز خالدة كخلود النيل وقد أخذا خلودهما من أقدام الخالدين جمال عبدالناصر ولطفي السيد ومحمد حسنين هيكل وطه حسين وعبد الرحمن عزام وأم كلثوم ومحمد عبدالوهاب والسنباطي والموجي وأسمهان ونجاة الصغيرة وفايدة كامل، والقائمة تطول لكل زعماء الحراك الثوري العربي والروساء العرب في تلك الفترة، التى وإن حمّلها البعض أثقالا غير أثقالهم. لكن التاريخ لن يغفلهم وسينصفهم عدلا وحكما.

قال: إذن، تأتي إلى سينما "لونار"، وكن مع الحادية عشرة معنا حيث نبدأ العرض (صفر) للفيلم الإيراني العُماني بعنوان (المبادلة) كأول عمل مشترك. قلت: ماذا ستعطونهم؟ وماذا سيقدمون؟ لكم كمقايضة. هل ستعطونهم غازا ليدفقوا لنا أنبوب ماء بدلاً من شرب مياه البحر، قال: يا أبا أحمد ليست المبادلة هنا بضائع، قلت ماذا سيتبادلون؟ هل ستكونون ضمن منظمة (بريكس)؟ قال لا هذه مبادلة في الزيجات، قلت ولم يبق لكم هم مشترك مع إيران إلا هذا الشغل القديم الحديث الذي شغلكم به الغرب؛ كأنه لا هم لكم إلا هذه الأمور ليشغلكم عن القدس وعن بغداد ودمشق والقاهرة وتونس والجزائر، ويشغلكم عن إنتاج قُوتكم ولباسكم وسيفكم وبندقيتكم؟ نحن يا أخي بحاجة إلى جسر يربط جنوب هرمز بشماله وموانئ عُمان بفرض إيران؛ لنرتبط بخط الحرير الصيني الحديث القديم الذي كان البحارون العمانيون والتجار والعمانيون قد مهدوا له بعلوم البحار ومشاق سفرهم التجاري الذي أوصل إليهم الإسلام.

وقفت العربة أمام المبنى الأبيض اللون هو وشقيقاته وبدا لنا اسم السينما بالحروف الإنجليزية، وتتضاءل بجانبها الحروف العربية التي خلدها الله بقرآنه المنزل الكريم، ووارثو اللغة المكرمة يعزف أبناؤها عنها إلى حروف اللغات المتسيِّدة عليهم.

ودخلنا المبنى وصعدنا إلى حيث العرض، لكن راعي العرض السيد الكريم المتبني دائمًا للأنشطة الثقافية والاجتماعية صاحب السمو السيد محمد بن سالم آل سعيد لم يصل بعد، وكنَّا نحسب أننا تأخرنا وقد أعيانا قليلا البحث عن الموقع. ثم حضر السيد الهمام بصفات البساطة والأخوة التي توضع تاجًا على رأسه ومقربة له مع الناس ككل.. وهيّا للصفر من العرض فبدا لي العرض دون لي وكأن أحداثه تدور في قندهار أو تورا بورا، ولم يترجم للعربية؛ بل بالإنجليزية ساحرة البشرية.

ومحمد الذي يحمل اسم نبي الإسلام، لم يراع اسمه، فوضِعَ بالترجمة العربية أولًا والإيرانية ثانيًا وهي تحمل الحرف القرآني، وكانت الأماكن توحي لي أننا بأديرة وادي غول، قبل أن ترتفع المباني بها أدوارا متعددة ليعيدنا البعض إلى علامات الحشر، والسيارات قليلة والعجلات النارية وسائل تنقل مُثلى، والعمائم السودانية الطوال نقلت إلى المُمثلين؛ فلا بأس لأنه كله تمثيل، كما يود المخرج، وقبل الممثلون وفتيات ربما أخذن من العقد الثاني بعض سنواته أو تزيد ومظاهر الزواج منهن التي يريد القاص والمخرج أن يركز عليها أو أن يجعلها شاغل الأمة الأكبر ويمحو المهام والصعاب التي تعاني منها شعوبنا ومعظم البشرية، ولم يمر بخلدهم أن الترجمة بتلك اللغة هي أيضا محل تعليق إلا إن كانوا يريدون أن يسوِّقوا هذه الأعمال لذلك العالم ليشكرهم ويبرزهم ويعتبر تلك الأعمال قرينة لادعاءاته وتمنياته وغربلته للمجتمعات التي يريد أن يبقى سيدها ومزكيها وسارقها ومقرر مصيرها.

أما عن النقد الفني فليس منه شيء، ولا أتطاول على أقلامه، لكن المخرج الأخ محمد الكندي يقول عنه (إن الفيلم العماني الإيراني "المبادلة"، من إنتاج شركة سيمرغ خاطره تارا في إيران، ويُعد الفيلم الروائي الطويل الأول بين سلطنة عمان ممثلة في مؤسسة البؤرة العالمية للإنتاج والتوزيع، والشركة الإيرانية). الكندي أشار إلى أنه تم تطوير هذا الفيلم من فيلم روائي قصير بعنوان "سراليش"، والذي حاز على جوائز دولية منها مهرجان lIFT بالهند؛ حيث حصل على جائزة أفضل مخرج وأفضل تصوير، وفي مهرجان الباطنة السينمائي الدولي حصل على جائزة لجنة التحكيم الخاصة، وفي مهرجان مسقط السينمائي الدولي للمرأة والطفل حصل على جائزة أفضل ممثلة، مبينًا أن الفيلم يطرح قضايا إنسانية مهمة، أبرزها قضايا حقوق المرأة والطفل، كما أن مراحل التصوير تمت بمقاطعة أصفهان في إيران.

ولفت المخرج الإيراني ياسر أحمدي، إلى أن هذا الفيلم المشترك سيعزز من التعاون الفني والثقافي بين البلدين، خاصة وأن سلطنة عمان تعد وجهة سياحية وتجارية لدى الشعب الإيراني، لما تتمتع به من مقومات إنتاج أفلام سينمائية متميزة على الصعيد الخليجي والعربي، وذلك لتنوع المواقع الأثرية والطبيعة الخلابة والجبال والرمال واللوحات والبيوت الأثرية والحديثة.

وتابع: "أنا سعيد بالتعاون مع المنتج والمخرج محمد الكندي لما يتمتع به من خبرة كبيرة في معالجة الأعمال السينمائية، الأمر الذي مكننا من تطوير الفيلم الروائي القصير إلى فيلم روائي طويل".

انتهى العرض قبيل الواحدة صباحًا، وخرج الحضور لتبادل التحيات والتقييمات، وتنادوا هيا لصورة جماعية والتأم الحضور بالصورة التي ستبقى وتذكر وتؤرخ.

وفاجأني السفير السفير السوري قائلاً: إن لقاء مستعجلا مع الدكتور سفير العراق سيأخذه عني، فقلت له نؤجل الموعد إذن؟ قال كلا لن نتأخر عليك ووصلنا. ثم لحظات وإذا بالدكتور السفير يصعد درج السفارة، وأنا بصحبة الأخ محمد حسن نقلب أبياتًا كتبتها منذ أيام، وتتناول قصة أمسية بأستوديو (2) بإذاعة القاهرة منذ حوالي 47 عامًا، ونكمل المراجعة ويهتف الهاتف: السفيران ينتظرانك، وإذا بلقاء ومودة منهما لا يمكنني تصوره ولا يمكنني أتصور أن تلك المودة والإعزاز والاندماج الذي عشته في "ماسبيرو" (مبنى الإذاعة والتلفزيون في مصر)، وأنا أتدرب به وبمثيله، عندما كنت أعمل ملحقًا إعلاميًا بالسفارة العمانية في القاهرة، ولا أتصور ذلك إلا أنه فضل من الله أُكرمت به. فله الشكر، ولكل أولئك الشكر والعرفان.

تعليق عبر الفيس بوك