فاطمة الحارثية
كان في جعبتي موضوعٌ آخر، يحمل في طياته تحويل الفوضى من مقصلة للأرباح إلى تجربة، وإن كانت مؤلمة بعض الشيء اجتماعيًا، إلّا أنها قد تُسرِّع وتيرة الأداء للمس العوائد وتحقق قفزة، تعيد بعض الفوضى إلى النصاب، ولكن وقبل أن أنسج الفكرة على الورق، أتى المنتدى العماني للشراكة والمسؤولية الاجتماعية، ليصنع كمًّا هائلًا من الأسئلة، ويحثني لرؤية أخرى نحو عَنان الشراكة وجمال السعي الجماعي، الذي تجسد لنا في سرد المحدثين والضيوف والمدربين، فقد كان اللقاء مشحونا بالتجارب وصوت العزة والفخر الخليجي والعربي.
إن رجعنا إلى أصل معظم المؤسسات والشركات عندنا، نجد أنها وجدت من أجل المجتمع، وهي جزء خدمي أساسي، فقليلة هي الشركات الربحية عندنا، ومع الوقت أضيف على تلك الشركات بالإضافة إلى الأداء الخدمي منظومة الربحية، وهذه نقلة نوعية، أربكت الكثير من التوجهات والسياسات التي تقوم عليها تلك الشركات، حتى أنها مست الأداء العام؛ البعض توجه نحو مفهوم الهدم ثم البناء، مع عدم وجود ضمانات حقيقية لهذا التوجه والبعض الآخر، قام بإيجاد مفاهيم جديدة في ظل السياسات القائمة، كمفهوم الشراكة والربح المشترك والقيمة المجتمعية بدل العائد الاجتماعي فقط، ووصل لدى البعض محاولة الهيمنة وفرض رؤى تجارية بحتة مما أثر سلباً على طبيعة التحول المؤسسي، الذي يُعد الوقت عامل أساسي لإنجاح أي تغيير أو تحول، أو حتى إضافة أدوار ومهام.
الرؤية الواضحة تستوجب استشرافًا يتزامن ويتوافق مع الرؤية الكُبرى وهي رؤية "عمان 2040"، والقدرة على حقن المهارات المطلوبة، لإدراك الفرص وتعريف العمل كشراكة استثمارية تجارية اجتماعية، وتوفير المؤهلات التي تمكن تلك التوجهات والمواءمة بينها، وهذا يؤكد أهمية وجود أقسام في تلك الشركات والمؤسسات، تقرأ العجز في الأداء وأثره في العجز المالي وأيضا الاستراتيجيات التي تُمكن هذه المواءمة؛ إن الالتزام والتمكين والحزم نوع من أنواع توجيه القدرة على إرساء الاستمرارية، وصناعة المواءمة بين الأداء الاستثماري والتجاري والاجتماعي في المؤسسة أو الشركة الواحدة، أي نحن بذلك نستطيع أن نصنع الاستدامة بالأداء الدائري، وهذا يُبين لنا أهمية النضج الاستراتيجي وماهية السلطة المطلوبة في الوقت الراهن.
ما قدمه لي المنتدى كفكر كان حلقة الربط، التي بها استطعت أن أقرأ بعض حلول التعثر وضبابية النضج الحالي، فعند مُقارنتي بطرق طرح التجارب في دول الجوار وبعض المنظمات العالمية، أكد لي أهمية المقارنة الصحيحة كمعيار ودور الإعلام الذكي؛ وقراءة أو استعراض التجارب الأخرى ليس لتكرارها؛ فالزمن الذي ساهم في إنجاح تجربة استثمارية أو اجتماعية ما، ليس بالضرورة أن تحقق تلك التجربة نجاحا في مناطق أو زمن آخر، بسبب اختلاف العرض والطلب والفكر والحاجة.
نحن في زمن صناعة الفرص، ولقد تعلمنا بسبب التعقيدات التي وضعناها في إجراءاتنا أن الفرص التلقائية نادرة أو بالأصح ضائعة وسط كثرة الأنظمة، والاختصاصات، والوقت المستغرق في الإجراءات مربك وقاتل لتلك الفرص. النضج الاقتصادي هو سلوك جماعي يحتاج إلى قبول كل فرد حسب مهاراته، وما يستطيع فعليا إضافته في منظومة الأداء سواء كان الأداء بناء، أو فكرا، أو حلولا، أو تنفيذ أو خططا، أو تسويقا أو أيا من العناصر التي تأتي بالنتائج النافعة. ولنتفق أن التحفيز عامل مهم في البناء وقد يتفق معي البعض أن البيئة الهادئة وليس الرخاء له أثر تحفيزي، ومعظم التجارب الناجحة والمحاولات البشرية أتت من رحم حاجة أو ألم وليس رخاء واستقرارا؛ فالناس بطبيعتها تستكين ولا تشعر بضرورة العمل عند عدم وجود حاجة بالتالي النمو والتغيير مرتبط بالرغبة والحاجة، ويحتاج وعيا شاملا.
إنَّ حدود تكرار المشاريع الناجحة في ذات البيئة، يُحدده الجموع وليس الأفراد، ولكن التحدي يكمن في (هل سوف يستقبل الناس التجربة المكررة بنفس الإقبال والتهافت مثل المرة الأولى؟- كعوائد) لأعود إلى طرح سابق وهو أهمية التنويع الذي يصنع التكامل، ويبقي على مؤشرات الأداء نابضة وفي حركة مستمرة، ونبذ الأنانية والمثالية لأنها تأتي بمؤشر النهاية الثابت والجمود؛ ولنقل أننا إذا انتهجنا مفهوم التنويع المتكامل والدائري في اقتصادنا (الاستثماري التجاري الاجتماعي) فإننا نحتاج إلى مهارات التحليل والقراءة الصحيحة، وتميكن نوعين من الأداء، فئة العمال والطبقة التي تقرأ الصورة الكبيرة وتجميع أداء العمال لبيان وقراءة المراحل والعثرات والعجز ومكامن الحلول، لاحظوا أنني لم أذكر صناعة الحلول بل مكامن الحلول، وهذا لربطه مفهوم الفرص والتجدد، فالحل يأتي بالنهايات ونحن نريد التطوير المستمر والتجدد.
الأداء الدائري والقيادة الدائرية فرص تجريبية متاحة، لإرساء النظم والسياسات المرنة ولصناعة مفهوم جديد للشراكة وليس التمويل أو المادة أو الأداء فقط، في شركات ومؤسسات الدولة.
*****
سمو...
عجزت الكلمات وتعثرت في شكر قامة ومقام جريدة الرؤية، لكنَّ الشعورَ حبٌ وفخرٌ واعتزازٌ.