صلالة- الرؤية
رعى صاحب السمو السيد مروان بن تركي آل سعيد محافظ ظفار، صباح الإثنين، افتتاح أعمال منتدى شركاء المسؤولية الاجتماعية والاستدامة 2023، والذي عقد في صلالة، تحت مظلة المنتدى العماني للشراكة والمسوؤلية الاجتماعية، بتنظيم من جريدة "الرؤية" والشبكة الإقليمية للمسؤولية الاجتماعية، بعنوان "مبادئ الاتفاق العالمي للأمم المتحدة.. المسؤولية والتنمية المستدامة"، مع حضور ضيف شرف المنتدى، الشيخ الدكتور ثاني بن علي بن سعود آل ثاني عضو مجلس إدارة مركز التوفيق والتحكيم التجاري بغرفة تجارة وصناعة قطر، والسفير الدولي للمسؤولية المجتمعية.
وفيما يلي نص بيان الافتتاح الذي قدمه البروفيسور يوسف عبد الغفار رئيس مجلس إدارة الشبكة الإقليمية للمسؤولية الاجتماعية:
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ
الحمدُ لله وكفى.. والصلاةُ والسلامُ على نبيِّ الهدى مُحمَّد بن عبدالله، وعلى آلهِ وصحبهِ أجمعين
صاحب السمو السيد مروان بن تركي آل سعيد الموقر
محافظ ظفار - راعي انطلاق أعمال هذا المنتدى
المكرم حاتم بن حمد الطائي
الأمين العام
أصحاب السمو والسعادة
الحضور الكريم
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته...،
يطيب لي ابتداءً بإسمي وبإسم الشبكة الإقليمية للمسؤولية الاجتماعية، أن أعبر عن تقديري البالغ لتواجدنا هُنا في الشقيقة عُمان، وسط هذه الأجواء الطيبة سائلين المولى جلت قدرته أن تتكلل أعمال هذا المنتدى بالآمال المعقودة عليه.
صاحب السمو راعي المنتدى
الحضور الكريم
إذا أراد المجتمع أن يرتقي سلم التقدم، ويوفر الخدمات المتميزة، بسهولة ويسر، وليعيش منتسبوه حياة رغيدة، ويتمتع بمستوى معيشي عالٍ، ويرتقي بمكانته وقيمته وإنسانيته؛ فلابد من إيجاد الأشخاص الذين ينفذون عملية التنمية بكفاءة واقتدار، ويقودونها بوعي ومسؤولية.
ولا يتأتَّى هذا إلا بإصلاح نظام التعليم، والارتقاء به، لإعداد جيل يكون قادراً على التفكير وحل المشكلات، ويكون مُؤهَّلاً للمنافسة في سوق العمل؛ من خلال إكسابه المهارات العملية إضافة للمعارف النظرية.
ويمكننا النظر في تجربة سنغافورة، هذه الجزيرة الصغيرة في جنوب شرق آسيا، والتي لا تمتلك أية موارد طبيعية، أصبحت اليوم من الدول المتطورة في العالم، وأنشأت اقتصاداً متميزاً، وأصبحت من أكثر المجتمعات نجاحاً على مستوى العالم في غضون بضعة عقود. والسرُّ في هذا النجاح تطبيقهم النظام القائم على الجدارة، أي إعطاء الأولوية للجدارة والكفاءة والاستحقاق على أية صفة أخرى.
وبدأوا عملهم الجاد بالبحث عن أنجح الشركات في العالم، وتعرفوا على أسباب نجاح هذه الشركات، وكذلك عملوا على إصلاح النظام التعليمي، وجعلوا البحث العلمي في خدمة الاقتصاد والتنمية، وعملوا على جعل الاقتصاد مستداماً. وقاد هذه الإصلاحات وهذه النهضة أصحاب الكفاءات الجديرون بالثقة.
لذا؛ فلابد من الاعتماد على الكفاءات في بلداننا لقيادة النهضة التنموية.
صاحب السمو راعي المنتدى
الحضور الأعزاء
إننا وإذا رجعنا إلى الوراء عدة عقود إلى العام 1945م، حيث تأسست منظمة الأمم المتحدة في مؤتمر سان فرنسيسكو في الولايات المتحدة الأمريكية، وميثاقه الذي كرَس مبدأ الأمن والسلم الدوليين، وبحضور إحدى وخمسين دولة. وبعد عدة سنوات تبنَّت منظمة الأمم المتحدة مبادئ الاتفاق العالمي للأمم المتحدة في قمة الأرض في العام 1992م، والتي تعرف أيضاً "بقمة الأرض ريو"، والتي عُقِدتْ في ريو دي جانيرو بالبرازيل. وهذه المبادئ هي مجموعة من المبادئ التوجيهية التي تهدف لتحقيق التنمية المستدامة على المستوى العالمي. ويوفر الاتفاق العالمي إطاراً مُشتركاً للتعاون الدولي لمكافحة التحديات البيئية، وتحقيق التوازن بين الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية والبيئية للتنمية.
وتم أيضا تشجيع الشركات على الالتزام بالمبادئ العشرة للميثاق العالمي للأمم المتحدة، والتي يجب مراعاتها عند اتخاد كافة القرارات ووضع الإستراتيجيات. وتنقسم هذه المبادئ إلى أربعة مجموعات تخص حقوق الإنسان ومعايير العمل والمحافظة على البيئة ومكافحة الفساد بكل أشكاله.
ومن ثمَّ تم دمج هذه المبادئ في أهداف التنمية المستدامة السبعة عشر، بعد إقرارها من الأمم المتحدة في مؤتمر نيويورك في سبتمبر من العام 2015م. واعتمدتها جميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، وكانت دعوة عالمية للعمل على إنهاء الفقر وحماية الكوكب، وضمان تمتُّع جميع الناس بالسلام والازدهار بحلول العام 2030م.
والتعهُّد كذلك بعدم ترك أي شخص في الخلف؛ لأن هذه الأهداف مُصمَّمة لتسارع التنمية واستدامتها في أبعادها الثلاثة: الاقتصادية، والاجتماعية، والبيئية. ولاشك أنَّ العمل الدؤوب الذي قامت به الدول لمحاربة الفقر بجميع أبعاده أدى لانخفاض كبير في عدد الذين يعانون من الفقر من الرجال والنساء والأطفال. وإنَّ ريادة الأعمال لها دور مهم في الحد من الفقر، إضافة لتحفيز الابتكار وخلق فرص العمل وتعزيز النمو الاقتصادي.
صاحب السمو السيد مروان بن تركي
الحضور الكريم
إنَّ دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، اهتمَّت اهتماما كبيراً في السنوات الأخيرة بريادة الأعمال التجارية، والتي تؤدي إلى إيجاد فرص عمل جديدة للأفراد، وتحفيز الابتكار والتنمية الاقتصادية، وتعزيز المجتمعات المحلية. وأرجو أن تتجه الأنظار بصورة أكبر إلى ريادة الأعمال الاجتماعية.. فما هي ريادة الأعمال الاجتماعية؟
هذا المفهوم يجمع بين روح ريادة الأعمال التجارية والاهتمام بالمسائل الاجتماعية والبيئية. هذه الريادة تهدف لتحقيق التغيُّر الاجتماعي والبيئي الإيجابي؛ من خلال إنشاء وتطوير الأعمال التجارية، وتؤدي إلى معالجة التحديات الاجتماعية والبيئية؛ من خلال الابتكار والحلول المستدامة، وتضع النتائج الاجتماعية والبيئية في مقدمة أهدافها، بجانب تحقيق الاستدامة المالية.
وفي الماضي القريب.. لو تأمَّلنا في مسيرة كثير من رواد العمل الاجتماعي الذين قدموا حلولاً مبتكرة لمشكلات كبرى، نجد أن أفكارهم الإبداعية كانت سبيلاً لتخفيف المعاناة الإنسانية على هذا الكوكب. ولاشك أنَّ هؤلاء الرواد الذين يخرجون عن النمط السائد في التفكير يسمون غير النمطيين أو غير التقليديين. لذا؛ قال فيهم الأديب الإنجليزي "برناردشو": يحاول التقليدي أن يُكيِّف نفسه مع الواقع، فيما يسعى غير التقليدي إلى تكييف الواقع لصالحه.
وهناك علاقة وطيدة بين الابتكار وريادة الأعمال التجارية والاجتماعية، ويكون لهما دور مهم في تمكين الحكومات من مواجهة التحديات المشتركة في تطبيق أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة بأبعادها الثلاثة، بما يشمل القضاء على الفقر والجوع وتمكين المرأة، وغيرها من الأهداف لتُسهم في تقدم الشعوب وازدهارها.
إنَّ أهداف التنمية المستدامة صُمِّمت وحُدِّدت لأهميتها كلها بلا استثناء، وجميعها مترابطة لخدمة الشعوب في تقدمها وتنميتها التنمية المستدامة.
وهذه الأهداف وُضِعَت للدول المتقدمة والنامية والهشة على حدٍّ سواء. وهناك دول متقدمة مثل ألمانيا ركزت على الهدف الثالث -الصحة الجيدة والرفاه- بصورة خاصة، إضافة لبقية الأهداف. فتميزت فيه بشكل كبير حتى أصبحت ألمانيا رمزًا عالميًّا للصحة والرفاه، وصارت وجهة من يرغب في العلاج والتداوي، حيث يحتل النظام الصحي الألماني أفضل المراتب عالميًّا.
كما ركزت المملكة المتحدة على التعليم -الهدف الرابع- فأصبحت وجهة مئات الطلبة حول العالم للبرامج التعليمية المختلفة.. والسؤال الذي يطرح نفسه الآن: أما آن الأوان لدولنا الخليجية أن تُركِّز وتتعمَّق في إحدى هذه الأهداف؟ وإنني لأتطلع لأن يكون في مجالات مثل الصحة -الهدف الثالث- والتعليم -الهدف الرابع- والطاقة النظيفة -الهدف السابع- حتى نكون متميزين في المنطقة في هذه المجالات. وهذه المشاريع التنموية ممكن أن تكون حكومية أو بالتنسيق مع القطاع الخاص.
ومن هذا المنطلق، لابد من جعل التنمية قضية وطنية يُشارك فيها كافة أفراد المجتمع والمؤسسات والشركات وليست الدولة فقط.
لذا؛ فلابد للشركات أن يكون لها دور اجتماعي والتزام أخلاقي تجاه العاملين فيها وأسرهم والمجتمعات المتعاملة معها. ففي السنوات الأخيرة، أصبح تقييم الشركات لا يعتمد على ربحيتها فحسب، بل على أن تكون الشركة مسؤولة اجتماعيًّا بما تقدم من مشاريع لخدمة المجتمع من ضمن خططها الإستراتيجية. وتكون هذه مسؤولية كل شخص في الشركة وليست مسؤولية الإدارة المعنية أو المدير المسؤول عن ذلك. ويمكن لهذه الشركات أن تُسهم في دعم الأعمال الريادية والمشروعات الصغيرة، وتوفير بيئة جاذبة لها، وكل هذه الأعمال المسؤولة لا شك ستضيف لسمعة الشركة وقيمتها المجتمعية.
صاحب السمو السيد راعي المنتدى
الحضور الكريم
إنَّ الشركات إلى فترة وجيزة، وبعضها ما زالت تقوم بمجموعة من الأعمال الخيرية والحملات التطوعية لتبيِّن مساهمتها في تنمية المجتمع.. ويجب الانتقال إلى خطة واضحة للقيام بأعمال مسؤولة تنمِّي المجتمع وتُعِين على حل المشكلات الاجتماعية التي تعاني منها مجتمعاتنا.
وختاماً.. فلابد للحكومات والشركات ومؤسسات المجتمع المدني أن يتكاتفوا ويتعاونوا في تنمية مجتمعاتنا؛ فهي ليست مسؤولية جهة بعينها، بل الكل مسؤول عن ذلك.
ولابد من تشجيع الشركات على الالتزام بالمبادئ العشرة للاتفاق العالمي للأمم المتحدة، ويجب مراعاتها عند وضع الإستراتيجيات. وأن تصبح برامج المسؤولية الاجتماعية نوعاً من الاستثمار الاجتماعي لتحسين كفاءة الأداء الاقتصادي للشركات. وأن ننتقل من مرحلة التنظير وإلقاء المحاضرات وعقد الندوات إلى المرحلة العملية لمشاهدة المشاريع على أرض الواقع تعكس إبداعات شبابنا.. فهم من يَبْنِي المستقبل.
عُذراً للإطالة، وتقبلوا مني جميعا خالص الشكر والتقدير...،
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته