علي بن مسعود المعشني
محمد صالح "مُطيع" اليافعي، ثائر وسياسي من جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية، ولد في عام 1940م في منطقة القعيطي بيافع العليا.
نضاله الثوري وتطلعه الوطني
وكانت أول عملية يقوم بها هي ضرب الإذاعة العربية، التابعة للإدارة البريطانية في التواهي بمدينة عدن في مارس 1965م، وكانت من أكبر العمليات الناجحة، التي انتشر بعدها أسلوب العمل المُسلح ضد الإدارة البريطانية ومنشآتها. وعندما تبنت الجمهورية العربية المتحدة حركة النضال المسلح في صيف 1965م، وفتحت لها مكتبًا متخصصًا لشؤون الجنوب ودعمه، استطاع أتباع الجبهة القومية في هذه الفترة- بدعم من المكتب العربي المصري- أن يحصلوا على دورات عسكرية في تَعِز للتدريب على حرب العصابات. وكان محمد صالح مطيع من أوائل الملتحقين بهذه الدورات مع عدد من رفاقه من جميع جبهات القتال. وتولى محمد صالح مطيع بعد انتهاء الدورة مسؤولية العمل الفدائي في عدن وكان يشكل مع سالم ربيع علي وهو زميله في الجبل إيقاعاً ثنائياً متناغماً لتسيير وقيادة العمل المسلح وفي 13 يناير عام 1966م، حدث الدمج بين الجبهة القومية والفصائل الوطنية الأخرى وقامت جبهة تحرير جنوب اليمن المحتل، فعارضها القوميون العرب وعناصر الجبهة القومية الملتزمون للحركة ومن بينهم مطيع، عارضوا الدمج وسياسة الجمهورية العربية المتحدة فحرموا من الدعم المالي والعسكري وجمد نشاطهم واشتعلت مدينة عدن وضواحيها بحرب العصابات كما اشتعلت جميع مناطق جبهات القتال الأخرى.
تقلد مُطيع منصب وزير خارجية جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية منذ العام (1973- 1980)، وكان يعد مهندس الانفتاح السياسي على دول الجوار. ولا يختلف كثيرون على أن محمد صالح اليافعي، الذي عرف باسمه الحركي «مطيع» قد تميز ببعد النظر في قيادة دبلوماسية الجنوب، وعلاقات الدولة السياسية آنذاك على الصعيد الإقليمي والدولي في ظروف غاية في التعقيد.
في عام 1974، دشن بداية العلاقات الدبلوماسية بزيارته التاريخية لكل من البحرين وقطر والإمارات العربية المتحدة، وفي عام 1976، استكمل بناء العلاقات الدبلوماسية مع المملكة العربية السعودية. وفي عهده كوزير للخارجية، شهدت العلاقات الدبلوماسية لليمن الديمقراطية ازدهارًا كبيرًا على نطاق واسع، وعمل بكل جهد على استعادة العلاقات الدبلوماسية مع الولايات المتحدة الأمريكية. وقام بعض أعضاء الكونجرس الأمريكي بزيارة عدن كتمهيد لاستعادة العلاقات الدبلوماسية التي قُطعت عام 1969م. وتمتع «مطيع» بعلاقات ممتازة مع رفاقه ومع العاملين في السلك الدبلوماسي ومع دوائر اجتماعية وسياسية واسعة، ولعب دورًا إيجابيًا في الحوارات السياسية بين فصائل العمل الوطني التي أدت إلى قيام التنظيم السياسي الموحد للجبهة القومية، ثم الحزب الاشتراكي اليمني. وكان «مطيع» صاحب كاريزما قيادية تجيد فن الحوار وإدارة الاختلاف، لكن الظروف التي صاحبت كثيرًا من المحطات السياسية قد أسهمت في بناء تراكمات لم تترك في كثير من الأحيان غير خيار المُواجهة. وأعدمته اللجنة المركزية للحزب الاشتراكي اليمني في عام 1982م بتهمة التخابر مع دول أجنبية. (ويكيبيديا)
كان لا بُد لي من الاستعانة بهذه السيرة للتعريف برجل يجهله الكثير من العرب ومن أبناء اليمن كذلك، ومادفعني لكتابة هذا المقال بالتحديد عن مُطيع هي حادثة مقتل الدكتور توفيق رشدي اللاجئ السياسي العراقي في مدينة عدن عام 1979م، من قبل المخابرات العراقية، ولجوء القاتل إلى سفارة العراق بعدن، وكيف تعامل مُطيع مع هذه الأزمة وأدارها قبل أن تنفجر وتخرج عن سيطرته ومسؤولياته، وكما أورد تفاصيلها الأستاذ عباس زكي القيادي الفلسطيني، والذي كان حينها سفيرًا لمنظمة التحرير الفلسطينية بجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية.
زار محمد صالح مُطيع، عباس زكي بمنزله بعيد عملية الاغتيال، وأقترح عليه زيارة السفارة العراقية بعدن وإقناع السفير بتسليمه القاتل ونقله إلى منزل زكي ثم ترحيله من عدن في أقرب فرصة؛ حيث أعتبر مطيع هذه الخطوة بمثابة طي للملف وتجاوزًا لخطيئة الأشقاء بالعراق رغم مرارتها، والحفاظ على العلاقات والوشائج بين الشعبين والدولتين اليمن الجنوبي والعراق، وقال مطيع لعباس بوضوح: "لا نرغب في خسارة العراق ولا في مواجهته". زار زكي السفير العراقي بمقر السفارة وبلغه بمقترح مُطيع لطي ملف الأزمة وتجاوزها معًا، وكان مُطيع حينها عضوًا بالمكتب السياسي ووزيرًا للخارجية.
تشنج السفير العراقي وتردد في قبول العرض اليمني المُقدم له عن طريق مطيع وعلى لسان عباس زكي، فكان خيار اليمنيين حصار السفارة وتطويقها وقصفها بقنابل تحذيرية بأوامر من وزير الداخلية حينها علي عنتر؛ حيث استسلم طاقم السفارة وتم القبض على الجاني واستضاف عباس زكي السفير العراقي بمنزله.
عبقرية الخطوة التي أقدم عليها محمد صالح مطيع في مواجهة الأزمة وإدارتها وتحمل مسؤوليتها وتبعاتها شخصيًا، تكمن في قراءته البعيدة والسريعة لتداعياتها مالم توأد في مهدها وقبول خسارتها الأولى وهي انتهاك سيادة اليمن والتعدي على نفس لاجئ سياسي على أرضها، الأمر الثاني هو نظرة مطيع للأزمة على أنها تصرف خاطئ من النظام العراقي وبالتالي لا يمكن التضحية بدولة العراق بجريرة خطأ أرتكبه نظامه السياسي، وهو تفكير متقدم جدًا من محمد صالح مطيع في زمن عنتريات ومراهقة ثورية جنت على مكاسبها وفرص مصالحها وقضمت أطرافها ثم أتت على أبنائها ورفاقها.
ترتب على رفض السفير العراقي لعرض مطيع اللجوء إلى الحل الأمني والعسكري وبالنتيجة تدحرجت الأوضاع بالسوء بين البلدين الشقيقين وأنتجت التالي:
- قام العراق باعتقال الكادر الدبلوماسي لليمن الجنوبي ببغداد ردًا على تشنج سفيرهم واعتقال اليمن للقاتل فقط.
- بقي الكادر الدبلوماسي اليمني في المعتقل وتحت التعذيب طيلة سنة كاملة، وخرج بعضهم من هذه المحنة فاقدًا لعقله.
- قُطعت العلاقات الدبلوماسية بين البلدين لعقود طويلة وبدأ كل طرف في البحث عن موطن ضرر للآخر.
- أخذ اليمن الجنوبي موقفًا مؤيدًا لإيران في الحرب العراقية الإيرانية نكاية في العراق.
- تواجد عدد من العسكريين اليمنيين الجنوبيين ممن لديهم خبرات في صواريخ سكود الروسية إلى جوار الجيش الإيراني؛ حيث تمكن هؤلاء من تحقيق توازن عسكري في قصف المدن بين غارات الطيران العراقي وصواريخ سكود الإيرانية الممنوحة لها من ليبيا.
لا شك عندي أن محمد صالح مطيع كان عقلية سياسية ودبلوماسية استثنائية في رؤيته وطرحه وإدارته، بل ويمكنني القول إنه تجاوز مرحلة العقلية الثورية والعقلية الإدارية ليصبح رجل دولة بكل المقاييس وعلى مشارف الزعامة. لهذا لم يشفع له تاريخه النضالي ولا مكانته في دولة الاستقلال لدى رفاقه من الإعدام؛ حيث أصبح مطيع بفكره المتقدم عبئًا على نظام بلده وعلى الرفاق من حوله، والذين سبق وأن تخلصوا بالتصفية من رفاق الأمس: قحطان الشعبي وسالم ربيع علي، وكان مطيع ثالثة الأثافي. لم يستوعب الرفاق حينها أن ما يقوم به مطيع هو المستقبل بعينه لليمن الجنوبي، وأن من ليس معي ليس بالضرورة أن يكون ضدي، وأن الدولة الحيوية تقتضي مصالحها توسيع دائرة الأصدقاء وتضييق دائرة الاعداء.
قبل اللقاء.. بعض رفاق الأمس احتطبوا ليلًا من الفكر اليساري المستورد، فحملوا ما خف فكره ورخص ثمنه وبارت تجارته، فكانت النتيجة وبالًا على الشعب والدولة.
وبالشكر تدوم النعم.