ما أجملَ التهذيبَ في حضرةِ الأدبِ!

 

أمينة أحمد

رائعة تلك العلاقة المهذبة بين أفراد العائلة الدمشقية في البيئة الشامية.. نلاحظُها بذلك الابن أو الابنة المهذبة المطواعة لوالديها، وربما نشهدها في تهذيب الأخت أثناء الحديث مع أخيها الأكبر وتبدو جلية في احترام الأقارب من جد وجدة أو عم وخال أو حتى الجار الذي يكبرهم في العمر... تبدو علاقة تقديرٍ واحترام فيها الكثير من التهذيب... ولو تطاول الابن في طريقة الكلام على الأم أو الأب غالباً ما يقرر الأب تأديب ذلك الابن بطريقة الترهيب أو الترغيب.. هذا حالهم في قديم الزمان وقبل الولوج في الحديث عن حالنا في عصرنا الراهن لنقف عند تعريف التهذيب.

فما هو التهذيب في علم التنشئة الاجتماعية؟

عرّف علماء التنشئة الاجتماعية التهذيب بأنَّه المعنى الإيجابي لأسلوب التنشئة الاجتماعية، إذ يقصد منه اعتبارات ومحددات عديدة لضبط السلوك والانفعالات والغرائز والتصرف، والخلاص منه إلى نوع من السلوك المتوافق مع التكيف الاجتماعي وطبيعة نظم المجتمع السلوكية والاجتماعية.

أي في معناه البسيط هو ذلك السلوك الإيجابي الذي ينهله الأبناء من الآباء بالتلقين في صغرهم حيث إن الأبناء بطبيعة الحال يقلدون ما يرون ويسمعون من ذويهم أو البيئة المحيطة بهم ليتعلموه أكثر في كبرهم من خلال الحوار والنقاش والعادات والتقاليد التي تحكم العائلة ثم تمتد إلى البيئة والمجتمع الذي نعيش فيه.

وعلى سبيل المثال، نقول مثلاً فلان ابن فلان ولد مُهذب؛ أي يحسن التصرف مع الآخرين وينتقي الكلام اللطيف المُعبر غير الجارح أو المُهين حتى في مواقف الغضب.. يستطيع السيطرة على تصرفاته وردود أفعاله في المواقف الحرجة فهو يعطف على الصغير ويحترم الكبير ولا يقاطع متحدثاً وينصت للمتكلم وعندما يستشيط غضبًا يكون ماهراً في وصع الكلام بموضعه الصحيح دون تجريح.

وهذه هي الإنسانية بطريقة ما.. ويبدو أن التهذيب سلوك اجتماعي مكتسب نعمل على زرعه في عقول أطفالنا ونعززه عند الناشئة ليتبلور في الكبر بأحلى حلة له. . ومن منَّا لا يرغب بأن يكون أولاده قمة في التهذيب وليكون ذلك علينا أن نكون كذلك، نتهذب معهم في الكلام والتصرف ونعمل على زرع تلك القيمة المجتمعية الحميدة في نفوسهم.. فيمكن أن تطلب ما تشاء من أبنائك وأنت تملك السلطة الكاملة عليهم.. ولكن انتبه لنبرة صوتك وطريقة حديثك وما أجمل أن تبدأ طلبك بعبارة "لو سمحت" أو "يا حبيبي.. يا صغيري.. ابني الغالي.. زوجتي العزيزة".

هذا التهذيب في طريقة الطلب سيجعل الأمر لطيفًا ومُحببًا في تنفيذه.. أما في المقلب الآخر لو استخدمت نبرة عالية أو حادة في صوتك وكان الطلب بصيغة الأمر دون أن تضيف لمسة من المشاعر عليه لحصلت على مفادك ولكن بامتعاض منه... تأكد أن أبناءك في قلة تهذيبهم معك ما هم إلا مرآة لك.

وهنا ننتقل من التهذيب إلى التأديب فنقول مثلاً فلان مهذب ومؤدب.. فمن هو المؤدب؟

المؤدب هو ذلك الشخص الذي يتمالك تهذيبه عندما يكون مظلوماً أو مقهوراً أو صاحب حق مهدور فيمتلك من حسن الخلق ما يكفي ليدافع عن مظلمته بتهذيب وأدب.. فلا يشتم ولا يضرب ولا يقوم بحركات همجية ولا يعلو صوته ليثبت حقه..

أما الإنسان غير المُنضبط والذي يظهر كثيراً من التهذيب لنا في تصرفاته وأفعاله وأقواله ثم ينقلب لوحش كاسر في حال لم ينل مراده منك فهذا ما نقول عنه قليل الأدب.. فأحسن الحسن حسن الأدب... رزقنا الله وإياكم التهذيب والتأديب في القول والفعل.

تعليق عبر الفيس بوك