زمن العار

 

 

"ليس هناك جريمة أشد دناءة من قتل الأبرياء والمساكين" تشيخوف.

 

 

فاطمة اليمانية

على نخب كلمة "عار"... ولو أنّني أكره كلمة نخب! لكن لا بأس بها إذا كان السياق يتحدث عن عقول مأفونة، وقلوب مخدّرة بحب النفس، والأنانية المُطْلَقَة!

حتى كلمة "أنانية" تقف عاجزة هُنَا، ولا تؤدي المعنى المطلوب منها، حين نصف واقعًا ملوّثًا بأخلاق البهائم... أو أشباه البهائم!

ومن باب التوثيق للمقدمة أعلاها، قصّة الطفل العراقي (موسى ولاء) ذي السبعة أعوام، الذي قتلته زوجة والده بعد التنكيل به؛ حتّى فاضت روحه، وتركته مُمدًّا على أرضية المطبخ، أمام أنظار شقيقه ذي الحادية عشرة، والذي كان من شدّة الصدمة والذعر عاجزًا عن النطق، وعن تخليص شقيقه من بين أنياب زوجة والده المفترسة.

بينما كان والدهما في العمل!

والطامّة الكبرى أنّ الطفل موسى فرَّ هاربًا من المنزل قبل قتله بأسبوع، وانتبه له أحد أصحاب المطاعم؛ فأخذه إلى مركز الشرطة، وأخبرهم بأنّه وجد الطفل وحيدًا جائعًا، وفي جسده علامات تعنيف وضرب.

فقام الضابط المسؤول باستجواب الطفل، وتمّ توثيق الاستجواب بتصوير الطفل، الذي كان يكشف عن جسده؛ ليريهم آثار العض والتعذيب والكدمات التي ملأت جسده النحيل، وظهر في الفيديو بشعرٍ محلّق بطريقة غير مهذبة، وبأسنان مكسورة، وشفاه مُدْمَاة، وكان يشكو لهم مُعاملة زوجة والده، وقال لهم بأنّه يريد الذهاب إلى معلمته، لأنّه يحبها، وعندما سُئِل عن أمّه، لم يرد عليهم بوضوح، لأنّه لا يعرف مكانها!

فما كان من الضابط المسؤول إلّا الاتّصال بوالده الذي حضر إلى مركز الشرطة، وتمّ استجوابه والتحقيق معه، واعترف بأنّ زوجته هي التي ضربت ابنه؛ لأنّه عنيد، ولا يسمع كلامها!

 ثم تبعه عدد من أفراد الشرطة إلى منزله، وتمّ استجواب زوجة الأب عن ضربها للطفل، فردّت عليهم بنبرة حادّة، وتطاولت على زوجها أمام الشرطة، ورفضت توقيع التعهد!

واكتفت الشرطة بتوقيع الأب على التعهد بعدم ضرب الطفل!!!

وببساطة تم إرجاعه لذويه! لوالده وزوجته المجرمة.

لكنّ زوجة والده لم يهدأ لها بال؛ حتّى قتلت موسى بأبشع طرق القتل والتعذيب... فقامت بضربه وصعقه وخنقه، وطعنه طعنات عميقة في أماكن متفرقة من جسده، وأجبرته على تناول كيلوجرام من الملح، وشرب الزيت، ومنعته من التقيؤ، واقتلعت أظافره، واستمرّت في تعذيبه ليلة كاملة، وواصلت التنكيل به في اليوم التالي إلى أنْ سقط على الأرض جثّة هامدة، وتركته ملقى للحشرات والنمل الذي غزا وجهه.

ثمّ اتصلت بوالده، وقالت له:

  • موسى مريض!

وعندما عاد وجده ميّتًا والكدمات الزرقاء غطّت نصف وجهه؛ فاتّصل بشيخ المنطقة، وبأشقّائه الذين قطع علاقته بهم بعد زواجه الثاني، وعندما دخل شقيقه الكبير رآه جالسًا قرب جثّة ابنه، بينما كانت زوجته تعدّ الطعام، فسألها مذهولًا عن سبب وفاة الطفل، وكيف مات؟ ومتى مات؟! فقالت له بأنّه مات من نصف ساعة! وطلبت منهم الكفّ عن سؤالها؛ وأسرعت لرؤية الطعام خوفًا من أنْ يحترق!

ولا شكّ أنّ موسى وأمثاله من ضحايا العنفِ الأسري، هم ضحايا المجتمع بأكمله!

لأنّه ذهب إلى الشرطة، وكشف عن جسده، وأراهم آثار التعذيب، وتمّ تصوير شكواه وتوثيق كلامه، رغم ذلك أُعِيْدَ إلى والده!

وقبل ذهابه إلى مركز الشرطة، شاهدت المعلمة والأخصائية وإدارة المدرسة، الكدمات على وجهه، وتمّ تصوير الطفل بملابس شتوية في عزّ الصيف حتّى تخفي زوجة والده بقية البقع والكدمات التي كانت تنتشرُ في جسده النحيل، واكتفت إدارة المدرسة بتنبيه الأب الذي كان غير مُهتم بمعاناة ابنه.

ورغم علمه بتعاملها القاسي مع ولديه، إلّا أنّه كافأها بكتابة البيت باسمها، وأعطاها راتبه كاملًا، وخوّل لها حرية التصرف في إنفاق راتبه بالطريقة التي تُرضيها.

ولم يحرك ساكِنًا حين حرمت ولديه من الحصول على غرفة مستقلّة في المنزل، فاستأثرت بالطابق الثاني لها ولولدها وابنتها، بينما تركتهما يعيشان في غرفة المعيشة بلا أسرّة أو خزانة خاصة بهما.

ولم يكن يعنيه مسألة دراستهما أو حالتهما النفسية، أو كيف يقضيان الوقت طوال غيابه أثناء عمله الذي كان بالمناوبة الأسبوعية.

وبعد قتل ابنه ظهر في العديد من المُقابلات التلفزيونية يتحدث عن الواقعة، وهو يتصنع الحزن، ويتباكى! أمام استهجان الناس بأنْ يُتْرَكَ حرًّا طليقًا بلا محاسبة أو عقاب! لأنّه شريك في الجريمة، وكان على علم بتعنيف زوجته لولديه، خاصّة موسى، وكان يرى آثار التعذيب، ورفض إعادة ولديه إلى حضن أمّهما، بعد أنْ أخذ الولدين منها عنوة، ومنع سبل التواصل معها، فكانت آخر زيارة لوالدتهما نهاية العام الفائت!

فهو كما وصفته جدّة موسى، ووالدة طليقته:

  • الأب هو القاتل الحقيقي، وزوجته كانت يده!

وتحدّثت عن ابنتها المفجوعة، وانهيارها النفسي، وعن شقيق موسى الذي كان مصدومًا من هول ما شاهدَ من طقوس تعذيب زوجة والده لشقيقه الصغير، وقالت أثناء حديثها بأنّهما سبق وأن شاهدتا آثار كدمات على جسد الطفلين، وعندما سألتا الطفلين؛ قالا بأنّهما سقطا أثناء اللعب!

وربما تتحمل الأمّ شيئًا من اللوم؛ لأنّها لم تبذل قصارى جهدها لانتزاع ولديها من والدهما، وخضعت لتهديداته، أو ربما كانت مطمئنة في البداية لأنّهما كانا تحت رعاية جدتهما وعمّتها، ثم أخذهما إلى زوجته التي يبدو أنّها وافقت على تربية الطفلين بنيّة التخلّص منهما، وهذا ما فعلته لاحقا.

لكن بالتأكيد لم يكن ليخطر على بال الأم المفجوعة بأنّ والدهما سيهدر دمهما، وسيعيد إليها الطفلين:

  • أحدهما مصدوم!
  • والآخر مقتول!