اللوبي المعطِّل لبرامج الاقتصاد

 

حمود بن علي الطوقي

منذ بداية عصر التجمعات الواتسابية، كونها تعد مساحة ونافذة لطرح المناقشات وإبداء الرأي، قام رجل الأعمال رئيس غرفة تجارة وصناعة عُمان الأسبق خليل بن عبدالله الخنجي بإنشاء مجموعة من "السّبل"، كان أبرزها ما أطلق عليه "السبلة الاقتصادية"، والتي تضم في عضويتها أبناء البلد، ممن تم اختيارهم لإثراء هذه السبلة بنقاشات هادفة، وتم دعوة أصحاب المعالي والسعادة وكبار رجال الأعمال والقيادات النسائية للانضمام إلى هذه السبلة، ومنذ إنشائها وهي تعتبر شعلة من النشاط تناقش وتقترح الأفكار، وتضع المرئيات، وتُقارن بين ما كان وما سيكون، وتعترض على بعض القرارات الحكومية وتطرح الحلول البديلة، وتوصل رسالتها إلى صانعي القرار من منطلق "لا ضرر ولا ضرار"، كل هذا النشاط والحيوية يتم في مساحة مغلقة تسمى "السبلة الاقتصادية"، والجميل في هذه السبلة أنَّه لا يوجد مجال لمصادرة الأفكار؛ فالكل هنا واعٍ ومسؤول فيما يطرح ويناقش، وتضع السبلة قوانين لأعضائها يتوجب على الجميع تنفيذها.

بالأمس، طرحت موضوع للمناقشة، وقلتُ كوني صحفيًّا أطرح دائمًا هذا التساؤل عندما ألتقي بالمسؤولين والمعنيين ورجال الأعمال: لماذا دائمًا عندما نطرح موضوعاً لتنشيط الاقتصاد ودخول المنافسة مع اقتصاديات دول الجوار يكون الرد بأنَّ سوقنا صغير واقتصادنا صغير؟! وحتى ننافس فلابد من توسيع حجم هذا السوق وهذا هو الرد المتوقع!! ففي رأيي المتواضع، إذا أردنا أن نشخص المشكلة، فعلينا أن نعمل على وضع الحلول المناسبة للتغلب عليها.

هذا النقاش الذي دار، لم تكن هذه المرة الأولى له، بل يُطرح هذا الموضوع بين الفينة والأخرى.

سألني أحد الإخوة الأعضاء: في تقديرك، أين تكمن المشكلة في كون سوقنا صغيرًا؟ قلت: ربما هناك "لوبي" لا يُريدنا أن نكبر ونتطور ويعمل على تقزيمنا وتعطيل كل ما يعزز من قدراتنا التنافسية، هذه وجهة نظري أتمنى أن أكون مخطئاً، ولكن ربما النقاشات ستوضح الحقائق. وأستشهد هنا بقول صاحب المعلقة الشاعر الجاهلي المعروف طرفة بن العبد في بيته الشهير:

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا...

ويأتيك بالأخبار ما لم تزوِّد

أُجزم بأنَّ كل نقاشاتنا دائمًا تصب في صالح البلاد، لأننا عمانيون ونحب أن نرى بلادنا في طليعة الدول، فنعلم كلنا أنه منذ بدايات النهضة المباركة، وهناك نموذج إداري في رسم منهج العلاقة بين الشعب والحاكم، جسَّده السلطان خالد الذكر المغفور له بإذن الله تعالى قابوس بن سعيد -طيب الله ثراه- ويمضي على نهجه جلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم -حفظه الله ورعاه- وبالنظر لهذا السلوك، الذي يأتي من قمة هرم السلطة في سلطنتنا الحبيبة، وبالإمعان مليًّا في تفاصيله، سنجده درسا عمليا، قوامه ضرورة الاقتراب من المواطن الذي يعد محور التنمية الأساسي، ويجب أن يكون المسؤول قريبا من المواطن، يلتمس مطالبه ويدوِّن الملاحظات، ويعمل على تحقيق الممكن بحسب الظروف المواتية، دون أن يعزل نفسه في مساحة علوية وخلف أبواب مغلقة، وهذا ما ينشده جلالة السلطان -حفظه الله ورعاه- ممن يتسلمون زمام العمل، وهو السلوك المقرون بالوعي الإداري الذي ينبغي على الحكيم اتباعه.. وعندما نستحضر الخطاب الأول لجلالة السلطان عندما تولى مقاليد الحكم في الحادي عشر من يناير 2020، حين قال مخاطبًا أبناء عُمان الأوفياء: "إن الأمانة الملقاة على عاتقنا عظيمة والمسؤوليات جسيمة، وينبغي لنا جميعًا أن نعمل من أجل رفعة هذا البلد وإعلاء شأنه، وأن نسير قدمًا نحو الارتقاء به إلى حياة أفضل، ولن يتأتى ذلك إلا بمساعدتكم وتعاونكم وتضافر جميع الجهود للوصول إلى هذه الغاية الوطنية العظمى"، وهذه المقولة السامية تفتح الباب أمام الشفافية، وهو السلوك الذي ينبغي علينا جميعًا نحن أبناء عمان اتباعه.

يهمُّنا هنا كوننا نتحدث عن توسيع حجم الاقتصاد، وأن نتجاوز مصطلح "سوقنا صغير"، فإنَّ ذلك يحتاج منا جميعًا الحكومة والقطاع الخاص والمجتمع المدني أن نتكاتف ونعمل جنباً إلى جنب لطرح أفكار إبداعية وخلاقة تسهم في رفد الاقتصاد، ويجب أن ندرك أن هناك حاجة للبحث عن برامج ومناشط تعجِّل سرعة العجلة، فيجب على كل القطاعات أن تنشط حتى نشعر أن تأثيرات هذه المصطلحات "اقتصادنا صغير" بسيطة ويمكن تجاوزها؛ لأننا نؤمن بأننا قادرون على استشراف المستقبل.

يجب أيضاً أن ندرك أنه من الضروري أن نؤمن بأن القطاع الخاص الذي أُرِيد له أن يكون شريكا إستراتيجيا للحكومة، يحتاج أن تُبسَّط له الإجراءات والتعقيدات حتى يُسهم في تقديم الجودة والتميز، وأن يكون أكثر ابتكارا في طرح المشاريع ذات القيمة المضافة وبأسلوب ابتكاري غير تقليدي.

علينا أيضا كمواطنين أن نبتعد عن تحقيق المصلحة الخاصة، ونضع المصلحة العامة على رأس أولوياتنا، ونحارب كل أشكال الفساد والبيروقراطية والمحسوبية، ونبحث عمَّا يميزنا ويجعلنا نحقق أهداف رؤية عمان 2040 بكل اقتدار.

نجزم يقينا بأنَّ هناك سلوكيات خاطئة ما زالت تُمَارس وتعطِّل منجزاتنا وطموحاتنا، بعضها متصل بالعقبات البيروقراطية الإدارية، التي يمكن أن نطلق عليها "الفساد الإداري"؛ كونه متصلًا بالمصالح التي تزكَّى فقط، ولا تأخذ الجودة مقياسا ومعيارا، وهذا نشأ عنه تأثير سلبي على متانة الاقتصاد. كلنا نأمل أن تشهد المرحلة المقبلة -بإذن الله- اهتماما أكبر ورعاية أوفر، وتهيئة مزيد من الفرص لكي ينمو اقتصادنا، ويحقق قفزات في المؤشرات الدولية، وهذا لن يتأتى إلا بالإخلاص في العمل، وكما قال سماحة شيخنا الجليل أحمد بن حمد الخليلي -حفظه الله- لتحقيق النجاح فلابد من التخطيط السليم والتنفيذ الأمين.

فهلَّا أدركنا قيمة هذه المقولة التي ترسم لنا خارطة الطريق نحو غد مشرق؟!!!