تبادل الفكر والانفتاح الفكري بين المجتمعات

 

 

لينا الموسوي

قبل تطور وظهور التكنولوجيا الحديثة، كانت مجتمعات العالم متباعدة، فلكل منها عاداته وتقاليده المتمسك بها، تتوارث عبر الأجيال، فتعلم وتدرس وتحفظ كما هي. ولكن بعد النقلة الكبرى التي حدثت بسبب دخول التقنيات التي قلبت حال المجتمعات رأسا على عقب، أصبح العالم عبارة عن دائرة صغيرة موحدة، يحكم بتوجهات مُعينة.

بدأت أحوال المجتمعات تتغير، والتواصل والتعارف بين الأفراد -سواء مباشرًا أو عن طريق برامج التواصل الاجتماعي- أخذ يكبر ويتوسع، وباتت الأفكار المتنوعة الإيجابية منها أو السلبية تتداخل وتتناثر داخلها، حسب وجهات نظر الأفراد ونشأتهم وتقييمهم لها.

ولكن حسب اعتقادي وتجاربي، فإنه مهما اختلفت الأفكار والثقافات تبقى عملية الانفتاح الفكري وسماع آراء الآخرين من المجتمعات المختلفة وتحليلها وفهمها حالة صحية تساعد بصورة فعالة جدًّا على التطور الذهني والفكري للفرد، وتمكنه من فهم ما يدور من حوله من مشكلات وإيجاد الحلول المناسبة لبعضها بطريقة قد تكون مختلفة عمَّا هو موروث أو مألوف.

فليس من العيب عدم معرفة الشيء، ولكن من الجيد أن نكون مُهيَّئين ومنفتحين لسماع الرأي الآخر وفهم حقيقة فكره وأبعاده وتحليله، وعدم الحكم على المجتمع فقط من الظاهر؛ فمن خلال حياتي الطويلة في الغربة وجدت أن الانفتاح الفكري وتقبل واحترام حرية فكر الجنسيات المختلفة صفة جميلة وأهمية عالية يرتفع بها المجتمع ويرتقي، فيكون التعامل مع الأفراد على أساس سلوكهم الإنساني وفهم أفكارهم التي يحملونها وليس على اختلاف جنسهم أو طبقتهم الاجتماعية، وهذا ما أوصى به الدين الإسلامي. لذلك؛ يجب أن يتم بناؤها وتأسيسها منذ الصغر؛ حيث تطبق داخل الأسرة وفي المدرسة، ومن ثم في العمل، ليكون البناء والهدف موحدًا وغير مضطرب، ورسم الطريق واضحًا وصحيحًا فيكبر وينمو مع الفرد.

إنَّ نظام الحياة العالمية يتغير بسرعة عالية، وتداخل الأفكار وتبادلها بين الأفراد سريع؛ لذلك باعتقادي يجب إعادة النظر في أسلوب حياتنا ومحاولة التخلص من الشوائب الاجتماعية غير المفيدة التي أصبحت تتضارب مع معطيات ومفاهيم الأجيال الجديدة، ومحاولة فهم الأفكار المغايرة والانتفاع بها، بما يتناسب مع فلسفة الدين الإسلامي الحقيقية ذات الحلول العميقة راقية الفكر، حيث إنَّ الكثير من المجتمعات اعتمدت على أسس مفاهيم الفلسفة الإسلامية، خصوصا المجتمعات الغربية التي أعادت صياغتها بما يتناسب مع نظامها المتبع، مهتمة بلب الحبة وليس القشر الذي يُرمى.

فلعملية التفكر في الثقافات المتنوعة أسرار وتجارب جميلة ومفيدة، يُدركها الفرد مع مرور الوقت ويتعلم كيفية الاستفادة من الجيد منها ونبذ السيئ بما يتناسب مع حياته وتربيته قد تساعده أحيانًا على إيجاد طرق جديدة لحل مشكلاته وتحسين أسلوب حياته.

ولعلَّ التعايش الموجود في أراضي دول الخليج العربي أحد أهم الأمثلة على ذلك؛ حيث إنها جمعت تحت ظلها مختلف الثقافات والأديان. فليس من الضرر التعرف على هذه الثقافات وفهم أفكارها وتقاليدها وعلومها ودراستها بصورة عميقة والاستفادة منها بما يتناسب مع حياة مجتمعنا وإيجاد الحلول المناسبة؛ لما قد يسبب الضرر له، ويتم التعايش الجماعي كبشر وليس كمجاميع متفردة.

لذلك؛ أعزائي الانفتاح الفكري المبني على أسس سليمة وفهم أصول الفكر المختلف، كزراعة الزهور الجميلة التي تزرع بذورها على أرض خصبة وتسقى بكمية ماء مناسبة فتزهر وتملأ المحيط برائحتها العطرة.

 

* المهندسة المعمارية

تعليق عبر الفيس بوك