خواطر "ستيني" مع "الحماية الاجتماعية"

 

 

مسعود الحمداني

Samawat2004@live.com

أنا لا أفهم في الحسابات الاكتوارية، ولا أتعامل مع النوايا، ولا أكترث بغير النتائج؛ فللحسابات رجالاتها، وللمال أربابه، وللدراسات الاقتصادية أساتذتها، ولكنني كمُواطن بسيط سعدتُ كثيرا لصدور "منظومة الحماية الاجتماعية" التي طال انتظارها، والتي وجدتُ فيها متنفسًا للفرح، ووجدتُ أنها ستضيف لي -وأنا على مشارف الستين- مبلغ مائة وخمسة عشر ريالا بالتمام والكمال، يعينني على مصاعب الحياة، ومتاعب القروض، وحسابات فواتير الكهرباء والماء المعقدة، والتي لم أعد أكترث لها، لأنها تحتاج إلى خبير متخصص، يجيد الهندسة الكهربائية، والفضائية، لذلك فأي مبلغ يضاف إلى دخلي المحدود يجب أن أرحب به، دون نقاش، خاصة وأنه لا يشترط -كما جاء في التفاصيل- أي شروط تعجيزية، فبمجرد أن تكون "ستينيا"، ومقيمًا في الدولة، فأنت تستحق مبلغا حكوميا يعينك على الحياة، ما بقي لك من عمر.

وأنا لا أكترث كثيرا للمشككين في نوايا الحكومة، والذين يرون أن "منظومة الحماية الاجتماعية" فخ منصوب، وأن ما تعطيه الدولة باليمين تأخذ أضعافه بالشمال، وأنه في الأفق تلوح ضرائب و"أتاوات" جديدة، فكثير من النَّاس "لا يعجبهم العجب ولا الصيام في رجب" كما يقول المثل، وكثير منهم ينظرون بعين الشك والريبة لأي تحرك حكومي، ويرون أن كل ما تفعله الدولة "مدان حتى تثبت براءته"، فهذه الفئات من المجتمع، يروِّجون للشائعات ويحاكمون النوايا، ويتبنّون نظرية المؤامرة، لذلك لا يرون إلا السواد، ولا يشاهدون إلا النصف الفارغ من الكأس، وينظرون بعين الارتياب لكل ما حولهم، أما السواد الأعظم من الناس فينظرون إلى أي إعلان حكومي على أنه لصالحهم، إلى أن يثبت العكس.

لذلك؛ فأنا لا أكترث لأولئك المشككين في منظومة الحماية الاجتماعية، رغم أن هذه "الحماية" تشمل منافعها الجميع، سواء كان "مليارديرا" أو "مديونيرا"، ولا أعتقد أن مواطنا دخله اليومي مئات الآلاف سيكترث لمائة وخمسة عشر ريالا تدخل في حساباته كل شهر، ولا أظن أنه سيضحي بوقته الثمين لتعديل بياناته، فهو "غني" عن هذه المبالغ الزهيدة -كما يراها- ولن ينظر إلى عشرة ريالات لتحسين وضع أبنائه، لأنه أدرك منذ زمن بعيد أهمية "ترشيد الإنجاب"، ولكن الذي سيهتم بهذه المبالغ هم ذوو الدخل المحدود والمتوسط، وسيقاتل لأجلها ذلك المواطن الذي يجاهد في سبيل لقمة العيش، رغم أن معظم المال الذي يدخل في جيب المواطن، يذهب في نهاية مطافه ودورة حياته إلى سداد فواتير الكهرباء والماء والهاتف وقروض البنك الإسلامي والتجاري، والضرائب الظاهرة والمخفية، يعني يعود أدراجه لخزينة الدولة.

كان النَّاس يتلهفون لسماع أخبار تخص حياتهم، ومعاشهم، وحين صدر قانون الحماية الاجتماعية، ظهرت فئة "المرجفون في الأرض" تحاول أن تنتقص من القانون، وتحاكم نوايا الحكومة، ولكني أعتقد أن قطار التنمية الاجتماعية سائر في مساره الصحيح، ولن يستطيع أن يوقفه أحد، وأظن أن أي قانون أو تجربة هما كائنان حيّان، يجب أن يمرا بمراحل التقويم، ومعالجة مكامن الخلل والضعف، وإنْ ظهر أي قصور، فالحكومة قادرة على مُعالجته في حينه، ولذلك، سيكون قانون الحماية الاجتماعية هو الخطوة الأولى، ولكنها لن تكون الأخيرة، في طريق الإصلاح الاجتماعي الطويل والشاق.