سوق الشحر التاريخي في ظفار

 

 

سعيد غفرم

Said.gafaram@gmail.com

يوجد في سلطنة عمان العديد من الأسواق الأثرية القديمة؛ مثل: سوق دبا وصحار ودما وأدم والشحر.. وغيرها من الأسواق العمانية التي تمثل أوجه النشاط التجاري والاجتماعي والثقافي الدال على عراقة التاريخ العماني الضارب في الجذور، وسوق الشحر أحد هذه الأسواق المشهورة عند العرب قبل الإسلام وأبرزها منذ القدم.. فأين موقعه في ظفار؟

ذكر الفراهيدي (ت ١٧٠هـ) في كتابه "العين" بقوله: الشحر موضع بعُمان، حيث كان يطلق على "ظفار" اسم الشحر أو شحر عمان حتى نهاية القرن السادس الهجري.

وتحدث المرزوقي (ت ٤٢١هـ) في كتابه "الأزمنة والأمكنة" عن سوق الشحر بأنه يقام تحت ظل الجبل الذي عليه قبر النبي هود عليه السلام في النصف من شعبان ويقصده تجار من البر والبحر بعد انتهائهم من سوق دبا وكانت بني "تقلل" تخفر هذا السوق وأهم السلع التي تباع به الأدم (الجلود) والبز (الثياب) والكندر (اللبان) والدخن (حب أصفر) والمر (دواء معروف) والصبر وكان بيعهم بها بإلقاء الحجارة ولم يكن بها عشور، أي ليست بأرض مملوكة.

ومن المرجح أن يكون سوق الشحر في مدينة أريط (الرباط) بحسب ما ذكره برترام توماس في كتابه "البلاد السعيدة" عندما زار ظفار في عام ١٩٢٩م: بأن الحديث لا ينقطع عن الروايات التي تتحدث عن أثار الشحرة الموجودة في أريط (الرباط) التي تعتبر عاصمتهم العظيمة يوماً ما، وهي تبعد حوالي 25 كيلومتر تقريباً عن قبر أو ضريح هود بن عابر الذي يقع على جبل "حَدْب ذُومري" وتحديداً في منطقة "شيحيت" من سلسلة جبال ظفار وأن البليد هي ميناؤها.

كما أشار الباحث سعيد المعشني في كتاب "الآثار التاريخية في ظفار" إلى مدينة ظفار التاريخية والمشهورة في جنوب الجزيرة العربية؛ حيث يعود تاريخها لحقبة ما قبل ظهور مدينة البليد التي ورثت شهرتها ومكانتها فيما بعد وموقعها هي "الرباط" التي اشتهرت بالفقهاء والعلماء وبتجارة اللبان والعنبر والأسماك، ومن الشواهد الدالة على أقدميتها وجود أضرحة قديمة بين الرباط والبليد والمدينة المذكورة قد تلاشت معالمها الأثرية، وما بقي منها غير إطلال بسيطة إلى جانب مقبرتها المعروفة والتي لا تزال بها نقوش قديمة واضحة المعالم. وذكرها ياقوت الحموي (ت ٦٢٦هـ) في كتاب "معجم البلدان" بقوله: أما ظفار المشهورة اليوم، فليست إلا مدينة على ساحل البحر الهندي وبينها وبين مرباط خمسة فراسخ وهي من أعمال الشحر، وإنَّ اللّبان لا يوجد في الدنيا إلا في جبال ظفار. وزارها الرحالة ابن بطوطة وقال: مدينة ظفار تقع على ساحل الهندي ومنها تصدر الخيل العتيق وسوقها "الحرجاء" يقع خارج المدينة ويباع به السمن والثمرات والسمك وزراعة أهلها الذرة والقمح والموز والنارجيل ويجلب إليها الأرز من الخارج.

وقال ابن خلدون في كتابه "تاريخ ابن خلدون": ببلاد الشحر مدينة مرباط وظفار وأموال أهلها الإبل والماعز التي تعلف بصغار الأسماك (العومة) ومعاشهم من اللحوم والألبان والسمك وتشتهر باللبان والعنبر الشحري، الذي يضرب به المثل في الجودة؛ حيث قال الشاعر: لو كنت عطراً كنت من الشحر، لقول أبو زيد (٣٣٠هـ) في كتاب "رحلة السيرافي" بأنَّ أهل الشحر ناس من قضاعة لهم لغة بخلاف العرب (اللغة الشحرية) وأصحاب شعور وجمم ولهم نجب يركبونها بالليل ويسيرون عليها على ساحل بحرهم، فإذا أحسست النجب بالعنبر قد قذفه البحر بركت عليه وربضت، فيتناوله الراكب.

كما ذكرت بعض الروايات الأخرى، أن سوق الشحر يقع في منطقة حاسك بحسب ما ذكره الدكتور محمد العريمي في مقال له نشرته صحيفة "أثير" الإلكترونية بعنوان "صحابي عماني آخر التقى برسول الله.. و3 أدلة مهمة تؤكد مكان قبره"، أن موقع سوق الشحر عند المرزوقي في كتابه "الأزمنة والأمكنة" هو سوق حاسك لأنها من موانئ اللبان القديمة وذكرت عند بطليموس وصاحب كتاب الطواف حول البحر الإرتيري، ويقع تحديداً عند رأس نوس الذي فيه قبر النبي صالح بن هود.

وأضاف العريمي : أن "بنو يقلل" هي من تخفر سوق الشحر ومنهم زهير بن قرضم، وهو كما ورد في الطبقات ابن سعد (ت ٢٣٠ هـ) زهير بن قرضم بن العجيل بن يقلل بن العيدي بن الآمري الوافد على النبي صلى الله عليه وسلم من بلاد الشحر(ظفار) فأكرمه وفرش له رداءه لبعد بلاده وكتب له كتاباً إلى قومه يدعوهم إلى الإسلام وقبره بمدينة مرباط التاريخية، وهذا يدحض الرواية التي تقول بأن سوق الشحر هو سوق مدينة الشحر بحضرموت؛ ذلك أن مدينة الشحر ظهرت بعد القرن السادس الهجري وكانت قبل ذلك تُعرف بالأسعاء.

ورجح عرفان حمور في كتابه "مواسم العرب الكبرى" قيام موسم سوق الشحر في مدينة بين ظفار ومرباط وقد تكون المدينة المقصودة هنا هي مدينة "سمهرم الأثرية" التي اشتهر ميناؤها خور روري "موشا" عبر التاريخ بتجارة الألبان حسبما ذكر جواد علي في كتابه "المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام": أما ميناء "موشا" فهو من أعمال الشحر، وبجبال ظفار "اللبان" واليه يحمل وبه يوزع ولا يسمح بحمله إلى غيره.

وختاماً.. نرى أنْ تُولِي وزارة التراث والسياحة أهمية كبيرة للكشف عن موقع هذا السوق الشهير وأن تعمل على صيانة وترميم الأماكن الأثرية القديمة المنتشرة في محافظة ظفار وخاصة المعالم التراثية الموجودة بولاية صلالة لوجود الجزء الأكبر منها للحفاظ عليها من الاندثار وإعطائها قيمتها التاريخية والمعرفية.

المراجع:

1- الفراهيدي، أحمد بن عمرو (١٩٩٥). العين. تحقيق: مهدي المخزومي وبراهيم السامرائي، دار ومكتبة الهلال، ج ٣، ص٩٣.

٢- المرزوقي، أحمد بن محمد (١٤١٧هـ). الأزمنة والأمكنة. بيروت: دار الكتب العلمية،ط١، ص٣٨٤.

3- توماس، برترام(1981).البلاد السعيدة. ترجمة: محمد أمين، سلطنة عمان: وزارة التراث القومي، ص٦٩.

4- المعشني، سعيد بن مسعود(١٩٩٥).الآثار التاريخية في ظفار. ص٢٣.

5- الحموي، ياقوت(١٩٩٥). معجم البلدان. بيروت: دار صادر، ط٢، ج٤، ص٦٠.

6- ابن بطوطة، محمد بن عبدالله (١٤١٧هـ). تاريخ ابن بطوطة. الرباط: أكاديمية المملكة المغربية، ج٢، ص١٢٣.

7- ابن خلدون، عبدالرحمن (١٩٨١).العبر. بيروت: دار الفكر، ط١، ج٤، ٢٨٨.

8- السيرافي، ابو زيد حسن(١٩٩٩). رحلة السيرافي ابو ظبي : المجمع الثقافي،ص١١٩.

9- العريمي، محمد بن أحمد (١٨ أغسطس ٢١٩). "صحابي عماني آخر التقى برسول الله..و3 أدلة مهمة تؤكد مكان قبره". صحيفة أثير الإلكترونية: تاريخ عمان.

10- حمور، عرفان بن محمد(١٩٩٩). مواسم العرب الكبرى. بيروت: مؤسسة الرحاب الحديثة، ط١، ج١، ص٧٢٢.

11- علي، جواد(٢٠٠١).المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام. بيروت: دار الساقي، ط٤، ج١٣، ص٢٧٤.

تعليق عبر الفيس بوك