د. مجدي العفيفي
سأظل أطرح هذه التساؤلات بلغة الآعماق البعيدة، ما حييت، فاللحظة ذات الحساسية الفائقة، بين "التفـكــير" بالمعنى الكوني، و"التكـفــير" بالمعنى الواسع بكل ظلاله الحياتية السوداء، تبقي طاغية بكل جبروتها أمدا بعيدا، ويبدو أنها ستمتد، وكأنها سنوات عجاف، مستمرة ومستعرة، تلتهم السنبلات الخضر، التي كلما أوشكت على الإخضرار، هبًّ من يقتطفها اختطافا، ولا يخصف تساؤلات لا تزال شاخصة، وناشبة أظافرها، وبلا أقنعة، لعلنا نفيق من هذا التوهان في زمن الإستعارة، والذي يدور بنا عالميا في دائرة مغلقة، تجعلنا لا ندري في أي عصر من التاريح نحن نعيش؟
لماذا تكفرني "يا رجل"؟ وأنا الكاتب الذي لا سلاح لديه، إلا القلم والكلمة.. نورا ونارا، فهل أنت أيضا تتحسس جيبك، كلما سمعت كلمة ثقافة وكلمة مثقف؟
لماذا تعتدي علىَّ «يارجل»؟ وأنا الفنان الذي أحاور الوجدان، وأخاطب الذوق العام، بأعمالي التي تستثمر أدوات العصر، العرفية والمعرفية والأخلاقية والجمالية ؟.
لماذا تغتصب ذاتي «يارجل»؟ وأنا المفكر الذي أبث الوعي، وأفكر في اللَّامفكَّر فيه، وأمارس ثقافة الأسئلة، سعيا إلى التنوير والاستنارة، بدون إثارة ولا استثارة ؟.
لماذا تسحقني «يارجل»؟ وأنا أشعل شمعتي حتي في عز الظهيرة، في عالم يسكره الجهل، فهل رأى الدهر سكاري مثلنا؟ يرانا سكارى، وما نحن سكارى، ولكن عذاب الجهل شديد؟
لماذا تهدر دمي «يا رجل»؟ وكل المسلم علي المسلم حرام، دمه وعرضه وماله، بل كل الإنسان على الإنسان حرام، طالما يمارس الإنسانية، فعلا وقولا، علما وعملا، حقا وصدقا؟
لماذا تستبيح دمي عيانا؟ "وأنا في عرض" لحظة أمان وإيمان، وفي بصيص ومضة يقين، ولو يقينا مراوغا؟
لماذا تريد أن تلقيني في «الجُـب»؟ بل وتمنع كل السيَّارة أن يلتقطوني، وتعتزم أنت أن تبيعني بثمن بخس، دولارات معدودة؟!!
لماذا تحرّض «الحوت» ليلتقمني؟ وتحول بيني وبين أن أكون من المسبحين، فلا أستطيع أن أنبذ في العراء وأنا مليم؟
لماذا تستحيي نسائي، وتقتَّـل أبنائي، وتصلِّبني في جذوع نخل الوهم والدجل الذي تتعاطاه، تحت عباءة «أبي جهل» وقبعة «جون» وعمامة «الحجًّاج» فهل تظن أن رؤوسنا قد أينعت، أيضا وحان قطافها، وإنك لقاطفها؟
لا "يا رجل" يا كذبة عصرية لن تكتمل.. لثم جبينك وارتجل:
"أنا ابن جلا وطلاع الثنايا
متي أضع العمامة تعرفوني"
لماذا تلدغني بـ«الشجاع الأقرع» في قبري الحياتي، والسجن الذي أملكه، وأحاسب نفسي أولا بأول، هل أنت وكيل النار؟ هل أنت المتحدث باسم السماء؟
لماذا تسْخر من «فلكي» وأنا أصنع «سفينتي» علي أعين الناس، لأنقذهم من براثن «جهلك» و«لهبك» و«هندك» و«ثكلتك أمك"؟
وإني سأسخر منك كما تسخر مني، ومن مفاتيحي، ومصابيحي، ومشاعلي، ومشاعري، ودفاتري، ومن يخترق يحترق!
لماذا تطلق بقراتك الألف السمان، علي بقراتي السبع العجاف؟ وتريد أن تلتهم سنبلاتي الخضر، بأفكارك اليابسات، على الرغم أني أيضا في«سبع شداد»؟
لماذا تظل تصرخ فىَّ ليل نهار: «أنا أكثر منك مالا وأعز نفرا»؟ وتتناسي أني سأحيط بثمرك، ونفرك، ورجلك، وخيلك، وصوتك، وسوطك، ودولاراتك، وصفقاتك، وبنوكك، ومؤسساتك، وأجمد أرصدة ذاتك المتضخمة، وأنا من بعد غَلبي سأغلبك، وأقهر عزتك.
لماذا تصر على أن تمسني بالضر، وتعترضني أن أضرب برجلي في الماء، والماء بارد وشراب؟ وأنت تشرب نخبي، وتعلن ملوثا الفضاء شعارك: "لا إله إلا الدولار"!!
أنا أفكر، وأبدع، وأُسْمع من في الصدور، في الخفاء وفي الظهور، في الانكشاف والاستتار، وأنير وأستنير.
فهل أنا كافر؟ نعم أنا كافر!
نعم، ولي عزة الإيمان أن أكفر بك، وبأطيافك، وألوانك، وتشكيلاتك، وتكتلاتك، وجنودك، وفرعونك، وهامانك، وقارونك، وفقهائـك، و«اللاًّتـك والعُزاتك»، ولذاتك، ونزواتك، وحواريك، وجواريك، و.. و.. و!