أ. د. حيدر أحمد اللواتي
على الرغم من التحديات الفكرية والثقافية التي واجهت أغلب المجتمعات الإسلامية في العقود الأخيرة، إلا أنها ما زالت تتميز عن غيرها من المجتمعات بأنها مجتمعات محافظة على عدد من القيم الدينية والاجتماعية الأصيلة، كالاعتناء بالوالدين وحفظ النظام الأسري والترابط القوي بين أفراد المجتمع، وما زالت تمثل الأسرة النواة الاجتماعية الأولى في هذه المجتمعات، واليوم تتعرَّض المجتمعات الإسلامية لهجمة، لكنها هجمة شرسة للغاية فهي تضرب في عمق قيمها وتُهدد باقتلاع أحد أهم إنجازاتها التي ما زالت تعتز بها؛ فالدعوة التي تشنها الدول الغربية المتمثلة في الدعوة لتقبل الشذوذ الجنسي واعتبار الفرد الشاذ جنسيًا فردا مثله مثل غيره من الأسوياء، لا تقتصر كما نلاحظ على مجتمعاتهم بل الهدف من هذه الدعوات هو نشر هذه الظواهر الشاذة في العالم، بل وفرضها حتى على مجتمعاتنا الإسلامية.
ومن هنا، فإنَّ أهمية التصدي لمثل هذه الهجمة يجب أن يكون من أولى أولويات المتصدين للشأن الاجتماعي، وهنا لابد للتنويه بأهمية الخطاب الديني، لأنه كما نظن أكثر الوسائل تأثيرا في مجتمعاتنا الإسلامية.
وقد يرى البعض صعوبة القيام بالتصدي لهذه الهجمة الشرسة أو ربما استحالته لأن الوسائل التي يستخدمها الغرب كثيرة ومتعددة مقارنة بالوسائل التي نمتلكها.
وعلى الرغم من أنَّ هذه حقيقة لا يمكن لأحد أن ينكرها، لكننا في المقابل يجب أن ندرك أننا نملك نقاطَ قوة في خطابنا يفتقر إليها ذلك الخطاب الغربي الشاذ؛ فمن المعروف مثلا أنَّ الدعوة لتغيير أمر اعتاد عليه المجتمع فيه من الصعوبة الشيء الكثير، بينما الدعوة للمحافظة على ما اعتاد عليه أيسر؛ وذلك لأنَّ المجتمعات عادة تقاوم التغيير وتتردد في قبول الجديد، وهي لا شك نقطة في صالحنا، خاصة أن الدعوة التي يدعو لها الغرب تمس صميم قيمنا الإسلامية التي تربت عليها مجتمعاتنا.
كما أننا نتميز بقدرتنا على توجيه الخطاب المباشر لأبنائنا، وهذه ميزة مهمة علينا أن نستغلها خاصة في المناسبات الدينية التي يقبل عليها أفراد المجتمع.
وخلال هذه الفترة، يستعد العالم الإسلامي لاستقبال السنة الهجرية الجديدة على صاحبها آلاف التحايا والسلام، ويحتفل المسلمون بهذه المناسبة في مختلف أنحاء العالم، كما يستعد آخرون لإحياء مناسبة عاشوراء واستشهاد الإمام الحسين عليه السلام في اليوم العاشر منه.
إنَّ من أهم الأمور التي تتميز بها هذه المناسبات الدينية هو حضور فاعل للعاطفة فيها، فمما تميَّز به المسلم ارتباطه العاطفي القوي وحبه الكبير للنبي محمد وآله الكرام، والزخم العاطفي عند المسلم في هذه المناسبات تجعله أكثر تقبلا للموعظة والنصيحة وعلى الخطباء استغلال هذا الأمر لتأصيل القيم الإسلامية ومواجهة الهجمات الغربية الشرسة.
إنَّ التحديات التي تواجه مجتمعاتنا الإسلامية والحرب المعلنة على قيمنا لم تعد حربا خافية على أحد، لذا فلابد من التفكير الجدي في خطاب مؤثر وقوي، وهذا لن يتسنى لنا دون التشاور فيما بيننا والاستفادة من مختلف العلوم التي قطعت شوطا كبيرا في وضع إستراتيجيات الخطاب المؤثر فعلى المتصدين للشأن الديني والاجتماعي الاطلاع على هذه العلوم والاستفادة منها؛ فالحكمة ضالة المؤمن فأنَّى وجدها فهو أحق بها، ودمجها بما لدينا من خبرات واسعة في مجال الخطابة الدينية.
إنَّ لغة وأسلوب التواصل اليوم مع الآخرين لا تقل أهمية، بل ربما تفوق من حيث الأهمية عمق المعلومات التي يقدمها العالم؛ فلم تعد عمق المعرفة الدينية هي المطلب الوحيد للخطاب الديني بل تعلم وسائل التواصل، خاصة مع الأجيال الجديدة هو المحك، فإذا كانت الحرب في أيام النبي تحتاج صبرًا وجلدًا على تحمُّل ويلات الحرب ومواجهة العدو في ميدان المعركة فإن حربنا اليوم وتصدينا لهذه الهجمات الشرسة أيضا يحتاج صبرًا، لكنه صبر وجلد على تسخير الوقت في سبيل الله للتعلم والاطلاع الواسع على مختلف العلوم والمعارف واكتساب المهارات الخطابية الحديثة وبذل الجهد الجهيد في إعداد خطاب مؤثر وقوي يلغي أثر عشرات الخطابات الغربية الشاذة التي تُلقى على مسامع جيل اليوم ويرديها صريعة أمام منطق العقل والمنطق والقيم الأصيلة "إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين وإن يكن منكم مائة يغلبوا ألفا".
إن علينا أن نستغل نقاط قوتنا ومناسباتنا الدينية على أكمل وجه، وألا نضيع هذه الفرص الثمينة في مواجهة التحديات التي تواجهنا قبل أن يأتي يوم نعضّ فيه أصابع الندم، ولات ساعة مندم.