إشكاليات اللغة العربية

 

ناصر الحارثي

nasser.harthi9@gmail.com

يدَّعي البعض أن اللغة العربية ليست لغة العلم، بل ويذهب بعضهم لأبعد من ذلك بالقول بأن اللغة العربية لغة تاريخية منتهية، في حين يذهب البعض إلى الإشارة بأن اللغة العربية لا تملك المواصفات اللازمة لاستخدامها في التقنية، وهذه الادعاءات إما أن تكون واهية أو السعي على الإجابة عن قشور المشكلة وتجاهل الجذور.

لا أرغب في هذه المقال ممارسة عادة الاحتفاء وتبجيل اللغة العربية؛ فلقد أبدعنا في الاحتفاء وخلدنا لها تاريخًا للاحتفاء بها، ولا الحديث عن أهمية وضرورة تعلم اللغة العربية، فأسباب تعلمها كلغة علم كثيرة تتراوح بين البديهي والإلزامي، بل سأُبحر في ذكر الإشكالات التي يدعيها البعض على أنها حواجز تمنع من اعتماد اللغة العربية كلغة علم:

- توحيد المصطلحات: على الرغم من الاستخدام المفرط لهذه الحجة في إظهار إشكالية اللغة العربية، إلا أنها من أكثر الإشكاليات سهولة وخاصة أن توحيد المصطلحات هو عمل مؤسسي تقوم به مؤسسات أكاديمية معينة، وهذا جهد تقليدي تقوم به معظم دول العالم في إيجاد مصطلحات علمية وفق أسس وقواعد معتمدة ويكون من خلال قاموس علمي ودليل علمي حول آلية استخدام المصطلحات وتدريب المؤسسات العلمية على استخدام هذه المصطلحات، وهذا الجهد بعد ما كان عملية تحتاج إلى تراكم عدد من الخبرات المتوزعة بين مختلف المؤسسات الآن يمكن أن يكون العمل في إطار منصة علمية معينة تراعي مسائل الوضوع والاتساق والدقة، ومن الأمثلة عليها جمعية اللغة التركية ومجلس اللغة السويدية والأكاديمية الروسية للعلوم، والمجلس الوطني الإيطالي للبحوث، والمعهد الوطني للغة اليابانية واللغويات، ونجد أنه من خلال هذه المراكز أنها ليست مهمة في غاية التعقيد بل هي جزء من مهام المركز في تعليم اللغات أو في ترجمة البحوث العلمية، والعبرة دائما في الصلاحيات في توظيف اللغة للاستخدام في المؤسسات بدل إصدار قواميس لغوية تترك في المكتبات.

- محدودية الدراسات العلمية: وهي إشكالية في مسألة التنفيذ وليست إشكالا إستراتيجيا في اللغة ذاتها، فعند اعتماد اللغة العربية في الجامعات كلغة علمية تتراكم البحوث والإصدارات العلمية ويتلاشى هذا السبب، والعجيب في هذا السياق أن منصة "مايو كلينيك" (Mayo Clinic) الأمريكية المعروفة بالمحتوى الطبي العلمي، شعرت بأنها بحاجة ماسة لترجمة محتواها إلى اللغة العربية لوجود أكثر من 420 مليون شخص ناطق بالعربية في حين أن المؤسسات الأكاديمية العربية تجد أن الترجمة الأكاديمية العلمية فيها جهد وتكلفة لا محدودة.

- البنية الأساسية للتعليم: وهو أيضا إشكال تنفيذي وليست إشكالا في اللغة ذاتها، ولا أعتقد أن الدول العربية -خاصة الخليجية- عاجزة عن تمويل البنية الأساسية للتعليم بالعربية؛ فهي استطاعات أن تمول مشاريع شديدة الرفاهية بالمليارات، فإنتاج المحتوى العلمي الأساسي هي مشاريع ليست عالية التكلفة فهي لا تتضمن ابتكارات شديدة التعقيد، بل هو ترجمة لما هو موجود على أرض الواقع.

- ضعف التمويل والاعتراف: يأتي التمويل والاعتراف من الدول الناطقة باللغة نفسها؛ لذا نجد أن تعليم اللغة العربية واعتمادها كلغة رسمية وفق القانون أو الدستور هو موجود في جميع الدول العربية، ولكن هذا الاعتراف لا يتجاوز حدودد الصحف والقنوات الإعلامية، وإن كان هناك تطبيق متكامل على أرض الواقع لوجدنا التمويل والاعتراف هي مسألة وقت.

- تعدد اللهجات: حتى اللغات البسيطة في العالم يتحدث ناطقوها بلهجات مختلفة، وكان يعتبر هذا التعدد نوعًا من الإثراء اللغوي واتساعا في المخيال اللغوي، بينما في اللغة العربية هو نوع من التحدي، في حين أن منصات التواصل الاجتماعي أثبتت أن المغربي يستطيع أن يفهم المصري، والمصري يقرأ ما يكتبه السعودي، والعماني يتابع ما ينشره الموريتاني أو يتحدث عنه السوري بكل سلاسة ويسر.

- لغة غير قابلة للتوظيف التقني: هو ادعاء آخر شديد الغرابة، وكأننا لا نستخدم العربية في الإنترنت، أو كأنها اللغة الوحيدة بين جميع لغات العالم التي عجزت التقنية عن توظيف حروفها؛ لأن حروفها رسم وكأنَّ حروفَ باقي اللغات خُلِقت من بعد الحاسب الآلي.

- لغة تاريخية منتهية أو مقدسة: يدَّعي بعض الحداثيين أن اللغة العربية هي لغة تاريخية لا يمكن توظفيها في العلم، في حين يدعي بعض السلفيين بأنها لغة مقدسة لا يمكن تكييف قواعدها وتعديلها بما يتناسب مع المعطيات المعاصرة، وكلا التوجهين ينطلق إما من تقديس جمودي، أو خنوع استعماري.

من أبجديات الحضارة الإنسانية أنه لا توجد نهضة بدون علم، والعلم يتطلب لغة للتفكير، ولأن اللغة هدف طويل المدى وأثره غير ملموس بشكل مباشر، فإننا نواصل الدوران في إطار ثابت دون تقدم يذكر.

تعليق عبر الفيس بوك